للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الرُّجُوعُ إِلَى الْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ. وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ هَذَا الْقَائِلُ لَبَطَلَ الِاجْتِهَادُ الَّذِي خُصَّ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةُ وَالِاسْتِنْبَاطُ الَّذِي أُعْطِيَهَا، وَلَكِنْ تُضْرَبُ الْأَمْثَالُ وَيُطْلَبُ الْمِثَالُ حَتَّى يَخْرُجَ الصَّوَابُ. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ). نَعَمْ، مَا كَانَ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ وَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ فَذَلِكَ الَّذِي يُقَالُ فِيهِ: اللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدِ اسْتَنْبَطَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُدَّةَ أَقَلَّ الْحَمْلِ- وَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ- مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً «١») وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ «٢») فَإِذَا فَصَلْنَا الْحَوْلَيْنِ مِنْ ثَلَاثِينَ شَهْرًا بَقِيَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ. وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِلَى الرَّسُولِ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُنَّتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْمَلُ بِهَا وَيُمْتَثَلُ مَا فِيهَا. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا أَلْفَيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ لَا نَدْرِي مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ (. وَعَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ أَنَّهُ حَضَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ وَهُوَ يَقُولُ:) أَيَحْسَبُ أَحَدُكُمْ مُتَّكِئًا «٣» عَلَى أَرِيكَتِهِ قَدْ يَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا إِلَّا مَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ أَلَا وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ أَمَرْتُ وَوَعَظْتُ وَنَهَيْتُ عَنْ أَشْيَاءَ إِنَّهَا لَمِثْلُ الْقُرْآنِ أَوْ أَكْثَرُ (. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ بِمَعْنَاهُ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَالْقَاطِعُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ) فِتْنَةٌ «٤» (الآية. وسيأتي.


(١). راجع ج ١٦ ص ١٩٢.
(٢). راجع ج ٣ ص ١٦٠.
(٣). قوله:) متكئا على أريكته (: جالسا على سريره المزين، وهذا بيان لحماقته وسوء أديه كما هو دأب المتنعمين المغرورين بالمال. وقال الخطابي: أراد به أصحاب الترفه والدعة الذين لزموا البيوت ولم يطلبوا بالأسفار الحديث من أهله فيرده حيث لا يوافق هواه (عن ابن ماجة).
(٤). راجع ج ١٢ ص ٣٢٢ [ ..... ]