للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. ذَكَرَهُ الْوَاحِدِيُّ عَنِ الْكَلْبِيِّ. وَأَسْنَدَ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُفَارِقَكَ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّكَ إِذَا فَارَقْتَنَا رُفِعْتَ فَوْقَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ). وَفِي طَاعَةِ اللَّهِ طَاعَةُ رَسُولِهِ وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهُ تَشْرِيفًا لِقَدْرِهِ وَتَنْوِيهًا بِاسْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ. (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) أَيْ هُمْ مَعَهُمْ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ وَنَعِيمٍ وَاحِدٍ يَسْتَمْتِعُونَ بِرُؤْيَتِهِمْ وَالْحُضُورِ مَعَهُمْ، لَا أَنَّهُمْ يُسَاوُونَهُمْ فِي الدَّرَجَةِ، فَإِنَّهُمْ يَتَفَاوَتُونَ لَكِنَّهُمْ يَتَزَاوَرُونَ لِلِاتِّبَاعِ فِي الدُّنْيَا وَالِاقْتِدَاءِ. وَكُلُّ مَنْ فِيهَا قَدْ رُزِقَ الرِّضَا بِحَالِهِ، وَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ اعْتِقَادُ أَنَّهُ مَفْضُولٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَنَزَعْنا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ «١»). وَالصِّدِّيقُ فِعِّيلٌ، الْمُبَالِغُ فِي الصِّدْقِ أَوْ فِي التَّصْدِيقِ، وَالصِّدِّيقُ هُوَ الَّذِي يُحَقِّقُ بِفِعْلِهِ مَا يَقُولُ بِلِسَانِهِ. وَقِيلَ: هُمْ فُضَلَاءُ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَسْبِقُونَهُمْ إِلَى التَّصْدِيقِ كَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ اشْتِقَاقُ الصِّدِّيقِ «٢» وَمَعْنَى الشَّهِيدِ. وَالْمُرَادُ هُنَا بِالشُّهَدَاءِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، وَالصَّالِحِينَ سَائِرُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أجمعين. وقيل: الشُّهَداءِ) القتلى في سبيل الله. (الصَّالِحِينَ) صَالِحِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قُلْتُ: وَاللَّفْظُ يَعُمُّ كُلَّ صَالِحٍ وَشَهِيدٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالرِّفْقُ لِينُ الْجَانِبِ. وَسُمِّيَ الصَّاحِبُ رَفِيقًا لِارْتِفَاقِكَ بِصُحْبَتِهِ، وَمِنْهُ الرُّفْقَةُ لِارْتِفَاقِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ. وَيَجُوزُ (وَحَسُنَ أُولَئِكَ رُفَقَاءَ). قَالَ الْأَخْفَشُ: (رَفِيقاً) مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ وَهُوَ بِمَعْنَى رُفَقَاءَ، وَقَالَ: انْتَصَبَ عَلَى التَّمْيِيزِ فَوُحِّدَ لِذَلِكَ، فَكَأَنَّ الْمَعْنَى وَحَسُنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رَفِيقًا. كَمَا قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا «٣») أَيْ نُخْرِجُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ طِفْلًا. وَقَالَ تَعَالَى: (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ) وَيُنْظَرُ «٤» مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُ الرُّفَقَاءِ أَرْبَعَةٌ) وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ تَعَالَى هُنَا إلا أربعة فتأمله.


(١). راجع ج ٧ ص ٢٠٨ وج ١٠ ص ٣٣.
(٢). راجع ج ١ ص ٢٣٣. وج ٢ ص ١٧٣. وج ٤ ص ٢٦٨.
(٣). راجع ج ١٢ ص ١١.
(٤). راجع ج ١٦ ص ٤٥ ينظر: يقابل، تقول العرب: دور ال فلان تنظر إلى دور آل فلان، أي هي بإزائها ومقابلة لها.