للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ: (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) كَمَا قَالَ: (أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ) وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ) أَيْ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ وَعِلْمِهِ، وَآيَاتُ الْكِتَابِ يَشْهَدُ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَشُكُّ فِي أَنَّ كُلَّ شي بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ وَإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً «١») وَقَالَ تَعَالَى: (وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ «٢»). مَسْأَلَةٌ- وَقَدْ تَجَاذَبَ بَعْضُ جُهَّالِ أَهْلِ السُّنَّةِ هَذِهِ الْآيَةَ وَاحْتَجَّ بِهَا، كَمَا تَجَاذَبَهَا الْقَدَرِيَّةُ وَاحْتَجُّوا بِهَا، وَوَجْهُ احْتِجَاجِهِمْ بِهَا أَنَّ الْقَدَرِيَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْحَسَنَةَ هَا هُنَا الطَّاعَةُ، وَالسَّيِّئَةَ الْمَعْصِيَةُ، قَالُوا: وَقَدْ نَسَبَ الْمَعْصِيَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) إِلَى الْإِنْسَانِ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى، فَهَذَا وَجْهُ تَعَلُّقِهِمْ بِهَا. وَوَجْهُ تَعَلُّقِ الْآخَرِينَ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) قَالُوا: فَقَدْ أَضَافَ الْحَسَنَةَ وَالسَّيِّئَةَ إِلَى نَفْسِهِ دُونَ خَلْقِهِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْجُهَّالُ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، لِأَنَّهُمْ بَنَوْا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ السَّيِّئَةَ هِيَ الْمَعْصِيَةُ، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْقَدَرِيَّةُ إِنْ قَالُوا (مَا أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ) أَيْ مِنْ طَاعَةٍ (فَمِنَ اللَّهِ) فَلَيْسَ هَذَا اعْتِقَادَهُمْ، لِأَنَّ اعْتِقَادَهُمُ الَّذِي بَنَوْا عَلَيْهِ مَذْهَبَهُمْ أَنَّ الْحَسَنَةَ فِعْلُ الْمُحْسِنِ وَالسَّيِّئَةَ فِعْلُ الْمُسِيءِ. وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ لَهُمْ فِيهَا حُجَّةٌ لَكَانَ يَقُولُ: مَا أَصَبْتَ مِنْ حَسَنَةٍ وَمَا أَصَبْتَ مِنْ سَيِّئَةٍ، لِأَنَّهُ الْفَاعِلُ لِلْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ جَمِيعًا، فَلَا يُضَافُ إِلَيْهِ إِلَّا بِفِعْلِهِ لَهُمَا لَا بِفِعْلِ غَيْرِهِ. نَصَّ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ «٣» شَبِيبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَيْدَرَةَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِحَزِّ الْغَلَاصِمِ فِي إِفْحَامِ الْمُخَاصِمِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا) مَصْدَرٌ مُؤَكَّدٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى ذَا رِسَالَةٍ (وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً) نَصْبٌ عَلَى الْبَيَانِ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ، أَيْ كَفَى اللَّهُ شَهِيدًا عَلَى صِدْقِ رِسَالَةِ نَبِيِّهِ وأنه صادق.


(١). راجع ج ١١ ص ٢٨٧.
(٢). راجع ج ٩ ص ٢٩٤.
(٣). في ا، ح: أبو الحسين، وفى ج، ط، ز: أبو الحسن شبيب. والذي في البحر: (أبو الحسن شيب).