للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رِجَالٍ. وَأَدْغَمَ الْكُوفِيُّونَ التَّاءَ فِي الطَّاءِ، لِأَنَّهُمَا مِنْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ، وَاسْتَقْبَحَ ذَلِكَ الْكِسَائِيُّ فِي الْفِعْلِ وَهُوَ عِنْدُ الْبَصْرِيِّينَ غَيْرُ قَبِيحٍ. وَمَعْنَى (بَيَّتَ) زَوَّرَ وَمَوَّهَ. وَقِيلَ: غَيَّرَ وَبَدَّلَ وَحَرَّفَ، أَيْ بَدَّلُوا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا عَهِدَهُ إِلَيْهِمْ وَأَمَرَهُمْ بِهِ. وَالتَّبْيِيتُ التبديل، ومنه قول الشاعر «١»:

أتوني فلم أرض ما بيتو ... وَكَانُوا أَتَوْنِي بِأَمْرٍ نُكُرْ

لِأُنْكِحَ أَيِّمَهُمْ مُنْذِرًا ... وهل ينكح العبد حر لحر

آخر «٢»:

بَيَّتَ قَوْلِيَ عَبْدُ الْمَلِي ... كِ قَاتَلَهُ اللَّهُ عبدا كفورا

وبيَّت الرجل الامر إذا دبره لَيْلًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ

«٣». وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَمْرٌ بُيِّتَ بِلَيْلٍ إِذَا أُحْكِمَ. وَإِنَّمَا خُصَّ اللَّيْلُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ وَقْتٌ يُتَفَرَّغُ فِيهِ. قَالَ الشَّاعِرُ:

أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ بِلَيْلٍ فَلَمَّا ... أَصْبَحُوا أَصْبَحَتْ لَهُمْ ضَوْضَاءُ

وَمِنْ هَذَا بَيَّتَ الصِّيَامَ. وَالْبَيُّوتُ: الْمَاءُ يَبِيتُ لَيْلًا. وَالْبَيُّوتُ: الْأَمْرُ يَبِيتُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ مُهْتَمًّا بِهِ، قَالَ الْهُذَلِيُّ «٤»:

وَأَجْعَلُ فِقْرَتَهَا عُدَّةً ... إِذَا خِفْتُ بَيُّوتَ أَمْرٍ عُضَالٍ

وَالتَّبْيِيتُ وَالْبَيَاتُ أَنْ يَأْتِيَ الْعَدُوُّ لَيْلًا. وَبَاتَ يَفْعَلُ كَذَا إِذَا فَعَلَهُ لَيْلًا، كَمَا يُقَالُ: ظَلَّ بِالنَّهَارِ. وبئت الشَّيْءَ قَدَّرَ. فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ الْحِكْمَةِ فِي ابْتِدَائِهِ بِذِكْرِ جُمْلَتِهِمْ ثُمَّ قَالَ: (بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ)؟ قِيلَ: إِنَّمَا عَبَّرَ عَنْ حَالِ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَى كُفْرِهِ وَنِفَاقِهِ، وَصَفَحَ عَمَّنْ عَلِمَ أَنَّهُ سَيَرْجِعُ عَنْ ذَلِكَ. وَقِيلَ: إِنَّمَا عَبَّرَ عَنْ حَالِ مَنْ شَهِدَ وَحَارَ فِي أَمْرِهِ، وَأَمَّا مَنْ سَمِعَ وَسَكَتَ فَلَمْ يَذْكُرْهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ) أَيْ يُثْبِتُهُ فِي صَحَائِفِ أَعْمَالِهِمْ لِيُجَازِيَهُمْ عَلَيْهِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى يُنَزِّلُهُ عَلَيْكَ فِي الْكِتَابِ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ


(١). هو الأسود بن يعفر، كما في اللسان مادة (نكر).
(٢). هو الأسود بن عامر الطائي، يعاتب رجلا كما في الطبري ج ٥ ص ١٧٤ طبع بولاق، في البحر: وتبيبت قولي. قاتلك إلخ.
(٣). راجع ص ٣٧٩ من هذا الجزء.
(٤). راجع ديوان الهذليين ج ٢ ص ١٩٠ طبع دار الكتب. [ ..... ]