للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي الْيَاءِ. وَقَالَ الْقُتَبِيُّ: (تَلْوُوا) مِنَ اللَّيِّ فِي الشَّهَادَةِ وَالْمَيْلِ إِلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَالْكُوفِيُّونَ (تَلُوا) أَرَادَ قُمْتُمْ بِالْأَمْرِ [وَأَعْرَضْتُمْ، مِنْ قَوْلِكَ: وَلَّيْتُ الْأَمْرَ، فَيَكُونُ فِي الكلام معنى التَّوْبِيخُ لِلْإِعْرَاضِ عَنِ الْقِيَامِ بِالْأَمْرِ «١»]. وَقِيلَ: إِنَّ مَعْنَى (تَلُوا) الْإِعْرَاضُ. فَالْقِرَاءَةُ بِضَمِّ اللَّامِ تُفِيدُ مَعْنَيَيْنِ: الْوِلَايَةُ وَالْإِعْرَاضُ، وَالْقِرَاءَةُ بِوَاوَيْنِ تُفِيدُ مَعْنًى وَاحِدًا وَهُوَ الْإِعْرَاضُ. وَزَعَمَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ أَنَّ مَنْ قَرَأَ (تَلُوا) فَقَدْ لَحَنَ، لِأَنَّهُ لَا معنى للولاية ها هنا. قَالَ النَّحَّاسُ وَغَيْرُهُ: وَلَيْسَ يَلْزَمُ هَذَا [وَلَكِنْ «٢» تَكُونُ] (تَلُوا) بِمَعْنَى (تَلْوُوا) وَذَلِكَ أَنَّ أَصْلَهُ (تَلْوُوا) فَاسْتُثْقِلَتِ الضَّمَّةُ عَلَى الْوَاوِ بَعْدَهَا وَاوٌ أُخْرَى، فَأُلْقِيَتِ الْحَرَكَةُ عَلَى اللَّامِ وَحُذِفَتْ إِحْدَى الْوَاوَيْنِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَهِيَ كَالْقِرَاءَةِ بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَوَاوَيْنِ، ذَكَرَهُ مَكِّيٌّ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى عَلَى قِرَاءَتِهِ (وَإِنْ تَلْوُوا) ثُمَّ هَمَزَ الْوَاوَ الْأُولَى فصارت (تلووا) ثُمَّ خُفِّفَتِ الْهَمْزَةُ بِإِلْقَاءِ حَرَكَتِهَا عَلَى اللَّامِ فَصَارَتْ (تَلُوا) وَأَصْلُهَا (تَلْوُوا). فَتَتَّفِقُ «٣» الْقِرَاءَتَانِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ. وَذَكَرَهُ النَّحَّاسُ وَمَكِّيٌّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ فِي الْخَصْمَيْنِ يَجْلِسَانِ بَيْنَ يَدَيِ الْقَاضِي فَيَكُونُ لَيُّ الْقَاضِي وَإِعْرَاضُهُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فَاللَّيُّ عَلَى هَذَا مَطْلُ الْكَلَامِ وَجَرُّهُ حَتَّى يَفُوتَ فَصْلُ الْقَضَاءِ وَإِنْفَاذُهُ لِلَّذِي يَمِيلُ الْقَاضِي إِلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَدْ شَاهَدْتُ بَعْضَ الْقُضَاةِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَاللَّهُ حَسِيبُ الْكُلِّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ زَيْدٍ وَالضَّحَّاكُ وَمُجَاهِدٌ: هِيَ فِي الشُّهُودِ يَلْوِي الشَّاهِدُ الشَّهَادَةَ بِلِسَانِهِ وَيُحَرِّفُهَا فَلَا يَقُولُ الْحَقَّ فِيهَا، أَوْ يُعْرِضُ عَنْ أَدَاءِ الْحَقِّ فِيهَا. وَلَفْظُ الْآيَةِ يَعُمُّ الْقَضَاءَ وَالشَّهَادَةَ، وَكُلُّ إِنْسَانٍ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَعْدِلَ. وَفِي الْحَدِيثِ: (لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ). قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: عُقُوبَتُهُ حَبْسُهُ، وَعِرْضُهُ شِكَايَتُهُ. الْعَاشِرَةُ- وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي رَدِّ شَهَادَةِ الْعَبْدِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَاكِمَ شَاهِدًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الِاسْتِقْلَالُ بِهَذَا الْمُهِمِّ إِذَا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ مِنَ العبد أصلا فلذلك ردت الشهادة.


(١). من ج، ط، ز.
(٢). من ج، ط والنحاس.
(٣). في ج: فتستوي.