للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِلْقَةُ الْعُودِ، وَقَدْ يُمْكِنُ بِهَا الذَّبْحُ لِأَنَّ لَهَا جَانِبًا دَقِيقًا. وَالظُّرَرُ فِلْقَةُ الْحَجَرِ يُمْكِنُ الذَّكَاةُ بِهَا وَلَا يُمْكِنُ النَّحْرُ، وَعَكْسُهُ الشِّظَاظُ «١»

يُنْحَرُ بِهِ، لِأَنَّهُ كَطَرَفِ السِّنَانِ وَلَا يُمْكِنُ بِهِ الذَّبْحُ. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ- قَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ: لَا تَصِحُّ الذَّكَاةُ إِلَّا بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ. وقال الشافعي: يصح بقطع الحلقوم والمري وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْوَدَجَيْنِ، لِأَنَّهُمَا مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ الَّذِي لَا يَكُونُ مَعَهُمَا حَيَاةٌ، وَهُوَ الْغَرَضُ مِنَ الْمَوْتِ. وَمَالِكٌ وَغَيْرُهُ اعْتَبَرُوا الْمَوْتَ عَلَى وَجْهٍ يَطِيبُ مَعَهُ اللَّحْمُ، وَيَفْتَرِقُ فِيهِ الْحَلَالُ- وَهُوَ اللَّحْمُ- مِنَ الْحَرَامِ الَّذِي يَخْرُجُ بِقَطْعِ الْأَوْدَاجِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فِي قَوْلِهِ: (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ). وَحَكَى الْبَغْدَادِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ أنه يشترط قطع أربع: الحلقوم والودجين والمري، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ «٢»

، وَالْمَشْهُورُ مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي قَطْعِ أَحَدِ الْوَدَجَيْنِ وَالْحُلْقُومِ هَلْ هُوَ ذَكَاةٌ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ- وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الذَّبْحَ مَهْمَا كَانَ فِي الْحَلْقِ تَحْتَ الْغَلْصَمَةِ فَقَدْ تَمَّتِ الذَّكَاةُ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا إِذَا ذُبِحَ فَوْقَهَا وَجَازَهَا «٣»

إِلَى الْبَدَنِ هَلْ ذَلِكَ ذَكَاةٌ أَمْ لَا، عَلَى قَوْلَيْنِ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ، وَكَذَلِكَ لَوْ ذَبَحَهَا مِنَ الْقَفَا وَاسْتَوْفَى الْقَطْعَ وَأَنْهَرَ الدَّمَ وَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْوَدَجَيْنِ لَمْ تُؤْكَلْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُؤْكَلُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ حَصَلَ. وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ أَنَّ الذَّكَاةَ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا إِنْهَارُ الدَّمِ فَفِيهَا ضَرْبٌ مِنَ التَّعَبُّدِ، وَقَدْ ذَبَحَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَلْقِ وَنَحَرَ فِي اللَّبَّةِ «٤»

وَقَالَ: (إِنَّمَا الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ) فَبَيَّنَ مَحِلَّهَا وَعَيَّنَ مَوْضِعَهَا، وَقَالَ مُبَيِّنًا لِفَائِدَتِهَا: (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ). فَإِذَا أُهْمِلَ ذَلِكَ وَلَمْ تَقَعْ بِنِيَّةٍ وَلَا بِشَرْطٍ وَلَا بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ زَالَ مِنْهَا حَظُّ التَّعَبُّدِ، فَلَمْ تُؤْكَلْ لِذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ- وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ رَفَعَ يَدَهُ قَبْلَ تَمَامِ الذَّكَاةِ ثُمَّ رَجَعَ فِي الْفَوْرِ وَأَكْمَلَ الذَّكَاةَ، فَقِيلَ: يُجْزِئُهُ. وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُهُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ جَرَحَهَا ثُمَّ ذَكَّاهَا بَعْدُ وَحَيَاتُهَا مُسْتَجْمَعَةٌ فيها.


(١). الشظاظ: خشيبة محددة الطرف تدخل في عروتي الجوالقين لتجمع بينهما عند حملهما على البعير.
(٢). في ك: ابن أبي ثور.
(٣). في ج وك وز: حازها.
(٤). اللبة: اللهزمة التي فوق الصدر وفيها تنحر الإبل.