للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَصْنَعُهُ، فَقَالَ: (عَمْدًا صَنَعْتُهُ يَا عُمَرُ). فَلِمَ سَأَلَهُ عُمَرُ وَاسْتَفْهَمَهُ؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّمَا سَأَلَهُ لِمُخَالَفَتِهِ عَادَتَهُ مُنْذُ صَلَاتِهِ بِخَيْبَرَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ طَاهِرًا وَغَيْرَ طَاهِرٍ، قَالَ حُمَيْدٌ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: وَكَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ؟ قَالَ: كُنَّا نَتَوَضَّأُ وُضُوءًا وَاحِدًا، قَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (الْوُضُوءُ عَلَى الْوُضُوءِ نُورٌ) فَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَتَوَضَّأُ مُجَدِّدًا لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَقَدْ سَلَّمَ عليه وجل وَهُوَ يَبُولُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَيَمَّمَ ثُمَّ رَدَّ السَّلَامِ وَقَالَ: (إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إِلَّا عَلَى طُهْرٍ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: مَعْنَى الْآيَةِ" إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ" يُرِيدُ مِنَ الْمَضَاجِعِ يَعْنِي النَّوْمَ، وَالْقَصْدُ بِهَذَا التَّأْوِيلِ أَنْ يَعُمَّ الْأَحْدَاثُ بِالذِّكْرِ، وَلَا سِيَّمَا النَّوْمُ الَّذِي هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ هُوَ حَدَثٌ فِي نَفْسِهِ أَمْ لَا؟ وَفِي الْآيَةِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، التَّقْدِيرُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ مِنَ النَّوْمِ، أَوْ جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النِّسَاءَ- يَعْنِي الْمُلَامَسَةَ الصُّغْرَى- فَاغْسِلُوا، فَتَمَّتْ أَحْكَامُ الْمُحْدِثِ حَدَثًا أَصْغَرَ. ثُمَّ قَالَ:" وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا" فَهَذَا حُكْمُ نَوْعٍ آخَرَ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّوْعَيْنِ جَمِيعًا:" وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً"] النساء: ٤٣]. وَقَالَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَغَيْرُهُ. وَقَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ: مَعْنَى الْآيَةِ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ مُحْدِثِينَ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ عَلَى هَذَا تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، بَلْ تَرَتَّبَ فِي الْآيَةِ حُكْمُ وَاجِدِ الْمَاءِ إِلَى قَوْلِهِ: فَاطَّهَّرُوا" وَدَخَلَتِ الْمُلَامَسَةُ الصُّغْرَى فِي قَوْلِهِ" مُحْدِثِينَ". ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ:" وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا" حُكْمَ عَادِمِ الْمَاءِ مِنَ النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا، وَكَانَتِ الْمُلَامَسَةُ هِيَ الْجِمَاعَ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ الْجُنُبَ الْعَادِمَ الْمَاءَ كَمَا ذَكَرَ الْوَاجِدَ، وَهَذَا تَأْوِيلُ الشَّافِعِيِّ وغيره، وعليه تجئ أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ كَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ] وَغَيْرِهِمْ [«١». قُلْتُ: وَهَذَانَ التَّأْوِيلَانِ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَعْنَى" إِذا قُمْتُمْ" إِذَا أَرَدْتُمْ، كَمَا قال تعالى:" فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ" «٢»] النحل: ٩٨]، أَيْ إِذَا أَرَدْتَ، لِأَنَّ الْوُضُوءَ حَالَةَ الْقِيَامِ إلى الصلاة لا يمكن.


(١). من ج وك وز.
(٢). راجع ج ١٠ ص ١٧٤.