للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ فَقَدْ كَذَبَ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ:" يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ" وَقَبَّحَ اللَّهُ الرَّوَافِضَ حَيْثُ قَالُوا: إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئًا مما أوحى إِلَيْهِ كَانَ بِالنَّاسِ حَاجَةٌ إِلَيْهِ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تعالى: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) دَلِيلٌ عَلَى نُبُوَّتِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ مَعْصُومٌ، وَمَنْ ضَمِنَ سُبْحَانَهُ لَهُ الْعِصْمَةُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَرَكَ شَيْئًا مِمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ. وَسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَازِلًا تَحْتَ شَجَرَةٍ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَاخْتَرَطَ «١» سَيْفَهُ وَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقَالَ:" اللَّهُ"، فَذُعِرَتْ يَدُ الْأَعْرَابِيِّ وَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ، وَضَرَبَ بِرَأْسِهِ الشَّجَرَةَ حَتَّى انْتَثَرَ دِمَاغُهُ، ذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِ الشِّفَاءِ قَالَ: وَقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ فِي الصَّحِيحِ، وَأَنَّ غورث ابن الْحَارِثِ صَاحِبُ الْقِصَّةِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَفَا عَنْهُ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ وَقَالَ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَعْنَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ:" إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ" «٢» [المائدة: ١١] مُسْتَوْفًى، وَفِي" النِّسَاءِ" أَيْضًا فِي ذِكْرِ صَلَاةِ الْخَوْفِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله قال: غزونا مع وسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةً قِبَلَ نَجْدٍ فَأَدْرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ «٣» فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَعَلَّقَ سَيْفَهُ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا، قَالَ: وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْوَادِي يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إن رَجُلًا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ فَأَخَذَ السَّيْفَ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي فَلَمْ أَشْعُرْ إِلَّا والسيف مصلتا «٤» فِي يَدِهِ فَقَالَ لِي مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي- قَالَ- قُلْتُ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي- قَالَ- قُلْتُ اللَّهُ قَالَ فَشَامَ «٥» السَّيْفَ فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ" ثُمَّ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَمَّا بَعَثَنِي اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ ضِقْتُ بِهَا ذَرْعًا وَعَرَفْتُ أَنَّ مِنَ الناس من يكذبني


(١). اخترط سيفه: استله.
(٢). راجع ص ١١١ من هذا الجزء. وج ٥ ص ٣٧٢.
(٣). العضاه: شجر عظيم له شوك، وقيل: أعظم الشجر.
(٤). صلتا: أي مجردا من غمده. وفي ك: صلت.
(٥). شام السيف. أي غمده ورده في غمده، يقال: شام السيف إذا سله وإذا أغمده، فهو من الأضداد. والمراد هنا أغمده.