للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِذَا احْتَجَجْتُ عَلَيْهِ وَبَيَّنْتُ أَنَّهُ كَاذِبٌ. وَعَلَى التَّشْدِيدِ: لَا يُكَذِّبُونَكَ بِحُجَّةٍ وَلَا بُرْهَانٍ، وَدَلَّ عَلَى هَذَا" وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ". قَالَ النَّحَّاسُ: وَالْقَوْلُ فِي هَذَا مَذْهَبُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَاحْتِجَاجُهُ لَازِمٌ، لِأَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ هُوَ الَّذِي رَوَى الْحَدِيثَ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ بِالتَّخْفِيفِ، وَحَكَى الْكِسَائِيُّ عَنِ الْعَرَبِ: أَكْذَبْتُ الرَّجُلَ إِذَا أَخْبَرْتُ أَنَّهُ جَاءَ بالكذب ورواه، وكذبته إذا أخبرت أَنَّهُ كَاذِبٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ الزَّجَّاجُ: كَذَّبْتُهُ إِذَا قُلْتَ لَهُ كَذَبْتَ، وَأَكْذَبْتُهُ إِذَا أَرَدْتَ أَنَّ مَا أَتَى بِهِ كَذِبٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَصَبَرُوا عَلى مَا كُذِّبُوا) أَيْ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرُوا. (وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا) أَيْ عَوْنُنَا، أَيْ فَسَيَأْتِيكَ مَا وُعِدْتَ بِهِ. (وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ) مُبِينٌ لِذَلِكَ النَّصْرِ، أَيْ مَا وَعَدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَدْفَعَهُ، لَا نَاقِضَ لِحُكْمِهِ، وَلَا خُلْفَ لوعده، و" لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ" «١»] الرعد: ٣٨] " إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا" «٢»] غافر: ٥١] " وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ" «٣»] الصافات: ١٧٣ - ١٧١] " كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي" «٤»] المجادلة: ٢١]. (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) فَاعِلُ (جاءَكَ) مُضْمَرٌ، الْمَعْنَى: جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ نَبَأٌ.

[[سورة الأنعام (٦): آية ٣٥]]

وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٥)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ) أَيْ عَظُمَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ وَتَوَلِّيهِمْ عَنِ الْإِيمَانِ. (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ) قَدَرْتَ (أَنْ تَبْتَغِيَ) تَطْلُبَ (نَفَقاً فِي الْأَرْضِ) أَيْ سَرَبًا تَخْلُصُ مِنْهُ إِلَى مكان آخر، ومنه النافقاء لحجر الْيَرْبُوعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي" الْبَقَرَةِ" «٥» بَيَانُهُ «٦»، وَمِنْهُ الْمُنَافِقُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ. (أَوْ سُلَّماً) مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ، أَيْ سَبَبًا إِلَى السَّمَاءِ، وَهَذَا تَمْثِيلٌ، لِأَنَّ السُّلَّمَ الَّذِي يُرْتَقَى عَلَيْهِ سَبَبٌ إِلَى الْمَوْضِعِ، وَهُوَ مُذَكَّرٌ، وَلَا يُعْرَفُ مَا حَكَاهُ الْفَرَّاءُ من تأنيث السلم. قَالَ قَتَادَةُ: السُّلَّمُ الدَّرَجُ. الزَّجَّاجُ: وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ السَّلَامَةِ كَأَنَّهُ «٧» يُسَلِّمُكَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي


(١). راجع ج ٩ ص ٣٢٧.
(٢). راجع ج ١٥ ص ٣٢٢ وص ١٣٩.
(٣). راجع ج ١٥ ص ٣٢٢ وص ١٣٩.
(٤). راجع ج ١٧ ص ٣٠٦.
(٥). راجع ج ١ ص ١٧٨.
(٦). في ك:" بناؤه".
(٧). في ك:" لأنه".