للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْهَمْزَةُ بَيْنَ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْأَلِفِ، وَعَلَيْهِ كُلُّ مَنْ خَفَّفَ الثَّانِيَةَ غَيْرَ وَرْشٍ، وَحَسُنَ جَوَازُ الْبَدَلِ فِي الْهَمْزَةِ وَبَعْدَهَا سَاكِنٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ حَرْفُ مَدٍّ وَلِينٍ، فَالْمَدُّ الَّذِي يَحْدُثُ مَعَ السَّاكِنِ يَقُومُ مَقَامَ حَرَكَةٍ يُوصَلُ بِهَا إِلَى النُّطْقِ بِالسَّاكِنِ الثَّانِي. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ (أَرَأَيْتَكُمْ) بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَأَتَوْا بِالْكَلِمَةِ عَلَى أَصْلِهَا، وَالْأَصْلُ الْهَمْزُ، لِأَنَّ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ دَخَلَتْ عَلَى (رَأَيْتَ) فَالْهَمْزَةُ عَيْنُ الْفِعْلِ، وَالْيَاءُ سَاكِنَةٌ لِاتِّصَالِ الْمُضْمَرِ الْمَرْفُوعِ بِهَا. وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ وَالْكِسَائِيُّ (أَرَيْتَكُمْ) بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا بَعِيدٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي الشِّعْرِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَرَأَيْتَكَ زَيْدًا مَا شَأْنُهُ. وَمَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ الْكَافَ وَالْمِيمَ لِلْخِطَابِ، لا حظ لهما في الاعراب، وهو اختبار الزَّجَّاجِ. وَمَذْهَبُ الْكِسَائِيِّ وَالْفَرَّاءِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْكَافَ وَالْمِيمَ نُصِبَ بِوُقُوعِ الرُّؤْيَةِ عَلَيْهِمَا، وَالْمَعْنَى أَرَأَيْتُمْ أَنْفُسَكُمْ، فَإِذَا كَانَتْ لِلْخِطَابِ- زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ- كَانَ (إِنْ) مِنْ قَوْلِهِ" إِنْ أَتاكُمْ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْمَفْعُولِ لَرَأَيْتَ، وَإِذَا كَانَ اسْمًا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ فَ (- إِنْ) فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي، فَالْأَوَّلُ مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ لِتَعَدِّيهَا لِمَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَبِمَعْنَى الْعِلْمِ تَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ. وَقَوْلُهُ: (أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ) الْمَعْنَى: أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ الَّتِي تُبْعَثُونَ فِيهَا. ثُمَّ قَالَ: (أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وَالْآيَةُ فِي مُحَاجَّةِ الْمُشْرِكِينَ مِمَّنِ اعْتَرَفَ أَنَّ لَهُ صَانِعًا، أَيْ أَنْتُمْ عِنْدَ الشَّدَائِدِ تُرْجَعُونَ إِلَى اللَّهِ، وَسَتَرْجِعُونَ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْضًا فَلِمَ تُصِرُّونَ عَلَى الشِّرْكِ فِي حَالِ الرَّفَاهِيَةِ؟! وَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ وَيَدْعُونَ اللَّهَ فِي صَرْفِ الْعَذَابِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ) " بَلْ" إِضْرَابٌ عَنِ الْأَوَّلِ وَإِيجَابٌ لِلثَّانِي." إِيَّاهُ" نُصِبَ. بِ"- تَدْعُونَ" (فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ) أَيْ يَكْشِفُ الضُّرَّ الَّذِي تَدْعُونَ إِلَى كَشْفِهِ إِنْ شَاءَ كَشْفَهُ. (وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ) قِيلَ: عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَيْ تُعْرِضُونَ عَنْهُ إِعْرَاضَ النَّاسِي، وَذَلِكَ لِلْيَأْسِ مِنَ النَّجَاةِ مِنْ قَبْلِهِ إِذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ وَلَا نَفْعَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَتَتْرُكُونَ. قَالَ النَّحَّاسُ: مِثْلَ قَوْلِهِ:" وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ" «١»] طه: ١١٥].


(١). راجع ج ١١ ص ٢٥١.