للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَعْنِي الصَّخْرَةَ الَّتِي هِيَ أَسْفَلَ الْأَرَضِينَ السَّابِعَةِ." وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ" بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى اللَّفْظِ. وَقَرَأَ ابْنُ السَّمَيْقَعِ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُهُمَا بِالرَّفْعِ فِيهِمَا عَطْفًا عَلَى مَوْضِعِ" مِنْ وَرَقَةٍ"، فَ"- مِنْ" عَلَى هَذَا لِلتَّوْكِيدِ. (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) أَيْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ لِتَعْتَبِرَ الْمَلَائِكَةُ بِذَلِكَ، لَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ كَتَبَ ذَلِكَ لِنِسْيَانٍ يَلْحَقُهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ. وَقِيلَ: كَتَبَهُ وَهُوَ يَعْلَمُهُ لِتَعْظِيمِ الْأَمْرِ، أَيِ اعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الَّذِي لَيْسَ فِيهِ ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ مَكْتُوبٌ، فكيف بما فيه ثواب وعقاب.

[[سورة الأنعام (٦): آية ٦٠]]

وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) أَيْ يُنِيمُكُمْ فَيَقْبِضُ نُفُوسَكُمُ الَّتِي بِهَا تُمَيِّزُونَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَوْتًا حَقِيقَةً بَلْ هُوَ قَبْضُ الْأَرْوَاحِ عَنِ التَّصَرُّفِ بِالنَّوْمِ كَمَا يَقْبِضُهَا بِالْمَوْتِ. وَالتَّوَفِّي اسْتِيفَاءُ الشَّيْءِ. وَتُوُفِّيَ الْمَيِّتُ اسْتَوْفَى عَدَدَ أَيَّامِ عُمُرِهِ، وَالَّذِي يَنَامُ كَأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَرَكَاتِهِ فِي الْيَقَظَةِ. وَالْوَفَاةُ الْمَوْتُ. وَأَوْفَيْتُكَ الْمَالَ، وَتَوَفَّيْتُهُ «١»

، وَاسْتَوْفَيْتُهُ إِذَا أَخَذْتُهُ أَجْمَعَ. وَقَالَ الشَّاعِرُ «٢»:

إِنَّ بَنِي الْأَدْرَدِ لَيْسُوا مِنْ أَحَدٍ ... وَلَا تَوَفَّاهُمْ قُرَيْشٌ فِي الْعَدَدِ

وَيُقَالُ: إِنَّ الرُّوحَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْبَدَنِ فِي الْمَنَامِ تَبْقَى فِيهِ الْحَيَاةُ، وَلِهَذَا تَكُونُ فِيهِ الْحَرَكَةُ وَالتَّنَفُّسُ، فَإِذَا انْقَضَى عُمُرُهُ خَرَجَ رُوحُهُ وَتَنْقَطِعُ حَيَاتُهُ، وَصَارَ مَيِّتًا لَا يَتَحَرَّكُ وَلَا يَتَنَفَّسُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ. لَا تَخْرُجُ مِنْهُ الرُّوحُ، وَلَكِنْ يَخْرُجُ مِنْهُ الذِّهْنُ. وَيُقَالُ: هَذَا أَمْرٌ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى. وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ) أَيْ فِي النَّهَارِ، وَيَعْنِي الْيَقَظَةَ. (لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى) أَيْ لِيَسْتَوْفِيَ كُلُّ إِنْسَانٍ أَجَلًا ضُرِبَ لَهُ. وَقَرَأَ أَبُو رَجَاءٍ وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ" ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ليقضى أجلا مسمى" أي عنده. و" جَرَحْتُمْ" كسبتم. وقد تقديم فِي الْمَائِدَةِ «٣». وَفِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالتَّقْدِيرُ وهو الذي يتوفاكم


(١). في ز، ل: توفيت الشيء.
(٢). هو منظور الوبرى.
(٣). راجع ج ٦ ص ٦٦.