للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالْجِنِّ أَنَّهُمْ أَطَاعُوهُمْ كَطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ. قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: هُمُ الَّذِينَ قَالُوا الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي الزَّنَادِقَةِ، قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ وَإِبْلِيسَ أَخَوَانِ، فَاللَّهُ خَالِقُ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ، وَإِبْلِيسُ خَالِقُ «١» الْجَانِّ وَالسِّبَاعِ وَالْعَقَارِبِ. وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا قَوْلُ الْمَجُوسِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لِلْعَالَمِ صَانِعَانِ: إله قديم، والثاني شيطان حادث من فكر الْإِلَهِ الْقَدِيمِ، وَزَعَمُوا أَنَّ صَانِعَ الشَّرِّ حَادِثٌ. وَكَذَا الْحَائِطِيَّةُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ بْنِ حَائِطٍ، زَعَمُوا أَنَّ لِلْعَالَمِ صَانِعَيْنِ: الْإِلَهُ الْقَدِيمُ، وَالْآخَرُ مُحْدَثٌ، خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوَّلًا ثُمَّ فَوَّضَ إِلَيْهِ تَدْبِيرَ الْعَالَمِ، وَهُوَ الَّذِي يُحَاسِبُ الْخَلْقَ فِي الْآخِرَةِ. تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا." وَخَرَقُوا" قِرَاءَةُ نَافِعٍ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى التَّكْثِيرِ، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ ادَّعَوْا أَنَّ لِلَّهِ بَنَاتٍ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَسَمَّوْهُمْ جِنًّا لِاجْتِنَانِهِمْ. وَالنَّصَارَى ادَّعَتِ الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ. وَالْيَهُودُ قَالَتْ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، فَكَثُرَ ذَلِكَ مِنْ كُفْرِهِمْ «٢»، فَشُدِّدَ الْفِعْلُ لِمُطَابَقَةِ الْمَعْنَى. تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ عَلَى التقليل. وسيل الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ مَعْنَى" وَخَرَقُوا لَهُ" بِالتَّشْدِيدِ فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ" وَخَرَقُوا" بِالتَّخْفِيفِ، كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ، كَانَ الرَّجُلُ إِذَا كَذَبَ فِي النَّادِي قِيلَ: خَرَقَهَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: مَعْنَى" خَرَقُوا" اخْتَلَقُوا وَافْتَعَلُوا" وَخَرَقُوا" عَلَى التَّكْثِيرِ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ:" خَرَقُوا" كَذَبُوا. يُقَالُ: إِنَّ مَعْنَى خَرَقَ وَاخْتَرَقَ وَاخْتَلَقَ سواء، أي أحدث.

[[سورة الأنعام (٦): آية ١٠١]]

بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٠١)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أَيْ مُبْدِعُهُمَا، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يكون له ولد. و" بَدِيعُ" خَبَرُ ابْتِدَاءٍ مُضْمَرٍ أَيْ هُوَ بَدِيعٌ. وَأَجَازَ الْكِسَائِيُّ خَفْضَهُ عَلَى النَّعْتِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَنَصْبَهُ بِمَعْنَى بَدِيعًا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. وَذَا خَطَأٌ عند البصريين لأنه لما مضى «٣».


(١). في ب وج وز وك: الحيات.
(٢). في ج ك: من فعلهم.
(٣). اسم الفاعل يعمل عمل فعله إن كان صلة لأل مطلقا فإن لم يكن صلة لأل عمل بشرطين عند البصريين: أن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال. وأجاز الكسائي عمله إذا كان للماضي.