للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ تَعَالَى:" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي «١» " وَمِنْ كَمَالِ الدِّينِ كَوْنُهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنَ الْخَضْرَاوَاتِ شَيْئًا. وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ: إِنَّ الْمَقَاثِئَ «٢» كَانَتْ تَكُونُ عِنْدَنَا تُخْرِجُ عَشَرَةَ آلَافٍ فَلَا يكون فيها شي. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْحَسَنُ: تُزَكَّى أَثْمَانُ الْخُضَرِ إِذَا بِيعَتْ «٣» وَبَلَغَ الثَّمَنُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ فِي ثَمَنِ الْفَوَاكِهِ. وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا. وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنِ الْخَضْرَاوَاتِ وَهِيَ الْبُقُولُ فَقَالَ: (ليس فيها شي). وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ جَابِرٍ وَأَنْسٍ وَعَلِيٍّ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ وَأَبِي مُوسَى وَعَائِشَةَ. ذَكَرَ أَحَادِيثَهُمْ الدَّارَقُطْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَيْسَ يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شي. وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ بِحَدِيثِ صَالِحِ بْنِ مُوسَى عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فِيمَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ مِنَ الْخُضَرِ زَكَاةٌ). قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَهَذَا حَدِيثٌ لَمْ يَرْوِهِ مِنْ ثِقَاتِ أَصْحَابِ مَنْصُورٍ أَحَدٌ هَكَذَا، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ. قُلْتُ: وَإِذَا سَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ لِضَعْفِ أَسَانِيدِهَا فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ من تخصيص عموم الآية، وعموم قول عليه السلام: (فيما سقت السماء العشر) ما ذَكَرْنَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ: لَيْسَ فِي شي مِنَ الْخُضَرِ زَكَاةٌ إِلَّا مَا كَانَتْ لَهُ ثَمَرَةٌ بَاقِيَةٌ، سِوَى الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُوزَنُ فَفِيهِ الزَّكَاةُ. وَكَانَ مُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ فِي الْعُصْفُرِ وَالْكَتَّانِ الْبَزْرَ، فَإِذَا بَلَغَ بَزْرُهُمَا مِنَ الْقُرْطُمِ وَالْكَتَّانِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ كَانَ الْعُصْفُرُ وَالْكَتَّانُ تَبَعًا لِلْبَزْرِ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْعُشْرَ أَوْ نِصْفَ الْعُشْرِ. وَأَمَّا الْقُطْنُ فَلَيْسَ (فِيهِ «٤» عِنْدَهُ دُونَ خَمْسَةِ أحمال شي، وَالْحَمْلُ ثَلَاثُمِائَةِ مَنٍّ بِالْعِرَاقِيِّ. وَالْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ لَيْسَ فيما دون خمسة أمنان منها شي. فَإِذَا بَلَغَ أَحَدُهُمَا خَمْسَةَ أَمْنَانٍ كَانَتْ فِيهِ الصَّدَقَةُ، عُشْرًا أَوْ نِصْفَ، الْعُشْرِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَكَذَلِكَ قَصَبُ السُّكَّرِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ السُّكَّرُ، وَيَكُونُ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ دُونَ أَرْضِ الْخَرَاجِ، فِيهِ مَا فِي الزَّعْفَرَانِ. وَأَوْجَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونَ الزَّكَاةُ فِي أُصُولِ الثِّمَارِ دون البقول. وهذا خلاف


(١). راجع ج ٦ ص ٦١.
(٢). المقاثي. (جمع مقثأة بفتح الثاء وضمها): موضع القثاء.
(٣). كذا في ج وك وز: وفي أو ب: أينعت.
(٤). من ك.