للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِلَى الْحَذْفِ، وَالْأَلِفُ لَا تُحَرَّكُ فَحُرِّكَتِ الْيَاءُ بِمَا كَانَ يَجِبُ لَهَا فِي الْوَاحِدِ. وَنَظِيرُهُ من الواو مناور وَمَنَاوِرُ، وَمَقَامٌ وَمَقَاوِمُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

وَإِنِّي لَقَوَّامٌ مَقَاوِمَ لَمْ يَكُنْ ... جَرِيرٌ وَلَا مَوْلَى جَرِيرٍ يَقُومُهَا

وَكَذَا مُصِيبَةٌ وَمَصَاوِبُ. هَذَا الْجَيِّدُ، وَلُغَةٌ شَاذَّةٌ مَصَائِبُ. قَالَ الْأَخْفَشُ: إِنَّمَا جَازَ مَصَائِبُ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ مُعْتَلَّةٌ. قَالَ الزَّجَّاجُ: هَذَا خَطَأٌ يَلْزَمُهُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ مَقَائِمُ. وَلَكِنَّ الْقَوْلَ أَنَّهُ مِثْلُ وِسَادَةٍ وَإِسَادَةٍ. وَقِيلَ: لَمْ يَجُزِ الْهَمْزُ فِي مَعَايِشَ لِأَنَّ الْمَعِيشَةَ مَفْعَلَةٌ، فَالْيَاءُ أَصْلِيَّةٌ، وَإِنَّمَا يُهْمَزُ إِذَا كَانَتِ الْيَاءُ زَائِدَةً مِثْلَ مَدِينَةٍ وَمَدَائِنُ، وَصَحِيفَةٍ وَصَحَائِفُ، وَكَرِيمَةٍ وكرائم، ووظيفة ووظائف، وشبهه.

[[سورة الأعراف (٧): آية ١١]]

وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) لَمَّا ذَكَرَ نِعَمَهُ ذَكَرَ ابْتِدَاءَ خَلْقِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْخَلْقِ «١» فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ." ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ" أَيْ خَلَقْنَاكُمْ نُطَفًا ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ، ثُمَّ إِنَّا نُخْبِرُكُمْ أَنَّا قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكِ وَغَيْرِهِمَا: الْمَعْنَى خَلَقْنَا آدَمَ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ فِي ظَهْرِهِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ:" ثُمَّ" بِمَعْنَى الْوَاوِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى" وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ" يَعْنِي آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ، ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ، عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ. وَقِيلَ:" وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ" يَعْنِي آدَمَ، ذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ أَبُو الْبَشَرِ." ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ" رَاجِعٌ إِلَيْهِ أَيْضًا. كَمَا يُقَالُ: نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ، أَيْ قَتَلْنَا سَيِّدَكُمْ." ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ" وَعَلَى هَذَا لَا تَقْدِيمَ وَلَا تَأْخِيرَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا. وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ، يُرِيدُ آدَمَ وَحَوَّاءَ، فَآدَمُ مِنَ التُّرَابِ وَحَوَّاءُ مِنْ ضِلَعٍ مِنْ أَضْلَاعِهِ، ثُمَّ وَقَعَ التَّصْوِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ. فَالْمَعْنَى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا أَبَوَيْكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاهُمَا، قَالَهُ الْحَسَنُ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى خَلَقْنَاكُمْ في ظهر آدم


(١). راجع ج ١ ص ٢٢٦، ٢٥١.