للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ أَبُو عُمَرَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ خَرَّجَ الْبُخَارِيُّ بَعْضَ حَدِيثِهِ. وَالْإِجْمَاعُ فِي هَذَا الْبَابِ أَقْوَى مِنَ الْخَبَرِ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً" يَعْنِي الْمَطَرَ الَّذِي يُنْبِتُ الْقُطْنَ وَالْكَتَّانَ، وَيُقِيمُ الْبَهَائِمَ «١» الَّذِي مِنْهَا الْأَصْوَافُ وَالْأَوْبَارُ وَالْأَشْعَارُ، فَهُوَ مَجَازٌ مِثْلُ" وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ «٢» " عَلَى مَا يَأْتِي. وَقِيلَ: هَذَا الْإِنْزَالُ إنزال شي اللِّبَاسِ مَعَ آدَمَ وَحَوَّاءَ، لِيَكُونَ مِثَالًا لِغَيْرِهِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ:" أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ" (أَيْ «٣») خَلَقْنَا لَكُمْ، كَقَوْلِهِ:" وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ" أَيْ خَلَقَ. عَلَى مَا يَأْتِي. وَقِيلَ: أَلْهَمْنَاكُمْ كَيْفِيَّةَ صَنْعَتِهِ. الثَّالِثَة- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَرِيشاً) قَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْحَسَنُ وَعَاصِمٌ مِنْ رِوَايَةِ الْمُفَضَّلِ الضَّبِّيِّ، وَأَبُو عَمْرٍو مِنْ رِوَايَةِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ" وَرِيَاشًا". وَلَمْ يَحْكِهِ أَبُو عُبَيْدٍ «٤» إِلَّا عَنِ الْحَسَنِ، وَلَمْ يُفَسِّرْ مَعْنَاهُ. وَهُوَ جَمْعُ رِيشٍ. وَهُوَ مَا كَانَ مِنَ الْمَالِ وَاللِّبَاسِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: رِيشٌ وَرِيَاشٌ، كَمَا يُقَالُ: لِبْسٌ وَلِبَاسٌ. وَرِيشُ الطَّائِرِ مَا سَتَرَهُ اللَّهُ بِهِ. وَقِيلَ: هُوَ الْخِصْبُ وَرَفَاهِيَةُ الْعَيْشِ. وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الرِّيشَ مَا سَتَرَ مِنْ لِبَاسٍ أَوْ مَعِيشَةٍ. وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:

فَرِيشِي مِنْكُمْ وَهَوَايَ مَعْكُمْ ... وإن كانت زياتكم لِمَامًا

وَحَكَى أَبُو حَاتِمٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ: وهت لَهُ دَابَّةً بِرِيشِهَا، أَيْ بِكِسْوَتِهَا وَمَا عَلَيْهَا من اللباس. الرابعة- قوله تعالى: (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) بَيَّنَ أَنَّ التَّقْوَى خَيْرُ لِبَاسٍ، كَمَا قَالَ:

إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَلْبَسْ ثِيَابًا مِنَ التُّقَى ... تقلب عيانا وَإِنْ كَانَ كَاسِيًا

وَخَيْرُ لِبَاسِ الْمَرْءِ طَاعَةُ رَبِّهِ ... وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِيًا

وَرَوَى قَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ عَوْفٍ عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ:" لِباسُ التَّقْوى " الْحَيَاءُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:" لِباسُ التَّقْوى " هُوَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ. وعنه أيضا: السمت الحسن


(١). كذا في الأصول. ولعل الصواب: التي.
(٢). راجع ج ١٥ ص ٢٣٤.
(٣). من ك.
(٤). في ك: أبو عبد الرحمن. [ ..... ]