للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رَأَوْا أَصْحَابَ النَّارِ تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ أَنْ يُرَدُّوا إِلَى النَّارِ، فَإِنَّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ كُلَّ شي، وَخِلَافُ الْمَعْلُومِ مَقْدُورٌ. فَإِذَا رَأَوْا أَهْلَ الْجَنَّةِ وَهُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا بَعْدُ يَرْجُونَ لَهُمْ دُخُولَهَا. وَقَالَ شُرَحْبِيلُ بْنُ سَعْدٍ: هُمُ الْمُسْتَشْهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ خَرَجُوا عُصَاةً لِآبَائِهِمْ. وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّهُ تَعَادَلَ عُقُوقُهُمْ وَاسْتِشْهَادُهُمْ. وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قول عَزَّ وَجَلَّ:" وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ" قَالَ: الْأَعْرَافُ مَوْضِعٌ عَالٍ عَلَى الصِّرَاطِ، عَلَيْهِ الْعَبَّاسُ وَحَمْزَةُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَجَعْفَرُ ذُو الْجَنَاحَيْنِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، يَعْرِفُونَ مُحِبِّيهِمْ بِبَيَاضِ الْوُجُوهِ وَمُبْغِضِيهِمْ بِسَوَادِ الْوُجُوهِ. وَحَكَى الزَّهْرَاوِيُّ أَنَّهُمْ عُدُولُ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عَلَى النَّاسِ بِأَعْمَالِهِمْ، وَهُمْ فِي كُلِّ أُمَّةٍ. وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ النَّحَّاسُ، وَقَالَ: وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِيهِ، فَهُمْ عَلَى السُّورِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هُمْ قَوْمُ أَنْبِيَاءَ. وَقِيلَ: هُمْ قَوْمٌ كَانَتْ لَهُمْ صَغَائِرُ لَمْ تُكَفَّرْ عَنْهُمْ بِالْآلَامِ وَالْمَصَائِبِ فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَتْ لَهُمْ كَبَائِرُ فَيُحْبَسُونَ عَنِ الْجَنَّةِ لِيَنَالَهُمْ بِذَلِكَ غَمٌّ فَيَقَعُ فِي مُقَابَلَةِ صَغَائِرِهِمْ. وَتَمَنَّى سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ، لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّهُمْ مُذْنِبُونَ. وَقِيلَ: هُمْ أَوْلَادُ الزِّنَى «١»، ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ: هُمْ مَلَائِكَةٌ مُوَكَّلُونَ بِهَذَا السُّورِ، يُمَيِّزُونَ الْكَافِرِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ إِدْخَالِهِمُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ، ذَكَرَهُ أَبُو مِجْلَزٍ. فَقِيلَ لَهُ: لَا يُقَالُ لِلْمَلَائِكَةِ رِجَالٌ؟ فَقَالَ: إِنَّهُمْ ذُكُورٌ وَلَيْسُوا بِإِنَاثٍ، فَلَا يَبْعُدُ إِيقَاعُ لَفْظِ الرِّجَالِ عَلَيْهِمْ، كَمَا أُوقِعَ عَلَى الْجِنِّ فِي قَوْلِهِ:" وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ «٢» " فَهَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةُ يَعْرِفُونَ المؤمنين بعلاماتهم والكفار بعلاماتهم، فيبشرون المؤمنين فبدخولهم الْجَنَّةَ وَهُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا بَعْدُ فَيَطْمَعُونَ فِيهَا. وَإِذَا رَأَوْا أَهْلَ النَّارِ دَعَوْا لِأَنْفُسِهِمْ بِالسَّلَامَةِ مِنَ الْعَذَابِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَاللَّازِمُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ عَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَأَخَّرُ دُخُولُهُمْ وَيَقَعُ لَهُمْ مَا وُصِفَ من الاعتبار في الفريقين. أَيْ بِعَلَامَاتِهِمْ، وَهِيَ بَيَاضُ الْوُجُوهِ وَحُسْنُهَا فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَسَوَادُهَا وَقُبْحُهَا فِي أَهْلِ النَّارِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَعْرِفَةِ حَيِّزِ هَؤُلَاءِ وحيز هؤلاء.


(١). في ع: الزناة.
(٢). راجع ج ١٩ ص ٨.