للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسَبْعَةَ عَشَرَ «١» رَجُلًا، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ مَادًّا يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ لَمْ يَحُطُّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ. قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ سَلْمَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ فَيَرُدُّهُمَا صِفْرًا (أَوْ قَالَ «٢») خَائِبَتَيْنِ (. احْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُوَيْبَةَ وَرَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ فَقَالَ: قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الْمُسَبِّحَةِ. وَبِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قتادة أن أنس ابن مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لا يرفع يديه في شي مِنَ الدُّعَاءِ إِلَّا عِنْدَ الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنَّهُ كَانَ يَرْفَعُهُمَا حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ طُرُقًا وَأَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، فَإِنَّ سَعِيدًا كَانَ قَدْ تَغَيَّرَ عَقْلُهُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ. وَقَدْ خَالَفَهُ شُعْبَةُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ (بْنِ مَالِكٍ «٣») فَقَالَ فِيهِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ إِذَا نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ أَنَّ الرَّفْعَ عِنْدَ ذَلِكَ جَمِيلٌ حَسَنٌ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَيَوْمَ بَدْرٍ. قُلْتُ: وَالدُّعَاءُ حَسَنٌ كَيْفَمَا تَيَسَّرَ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ مِنَ الْإِنْسَانِ لِإِظْهَارِ مَوْضِعِ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالتَّذَلُّلِ لَهُ وَالْخُضُوعِ. فَإِنْ شَاءَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ شَاءَ فَلَا، فَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسْبَمَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:" ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً". وَلَمْ يُرِدْ «٤» صِفَةً مِنْ رَفْعِ يَدَيْنِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ:" الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً «٥» " فَمَدَحَهُمْ وَلَمْ يَشْتَرِطْ حَالَةً غَيْرَ مَا ذَكَرَ. وَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ الْجُمْعَةَ وهو غير مستقبل القبلة.


(١). تقدم في ج ٣ ص ٢٥٥. أن أهل بدر كأصحاب طالوت وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر. وهذا هو المشهور. فليراجع.
(٢). الزيادة عن سنن ابن ماجة.
(٣). من ج.
(٤). في ع: ولم ترد صفة.
(٥). راجع ج ٤ ص ٣٠٥.