للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَعْضُهُمْ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ «١» ". وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ إِلْيَاسَ هُوَ إِدْرِيسُ. وَقَدْ قُرِئَ" سَلَامٌ عَلَى إِدْرَاسِينَ". قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ بَطَّالٍ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ آدَمَ لَيْسَ بِرَسُولٍ، لِيَسْلَمَ مِنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ. وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الطَّوِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ آدَمَ وَإِدْرِيسَ رَسُولَانِ. قَالَ ابْنُ عطية: ومجمع ذَلِكَ بِأَنْ تَكُونَ بَعْثَةُ نُوحٍ مَشْهُورَةً لِإِصْلَاحِ النَّاسِ وَحَمْلِهِمْ بِالْعَذَابِ وَالْإِهْلَاكِ عَلَى الْإِيمَانِ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَوَّلُ نَبِيٍّ بُعِثَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ بُعِثَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالَ الْكَلْبِيُّ: بَعْدَ آدَمَ بِثَمَانِمِائَةِ سَنَةٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَبَقِيَ فِي قَوْمِهِ يَدْعُوهُمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا، كَمَا أَخْبَرَ التَّنْزِيلُ. ثُمَّ عَاشَ بَعْدَ الطُّوفَانِ سِتِّينَ سَنَةً. حَتَّى كَثُرَ النَّاسُ وَفَشَوْا. وَقَالَ وَهْبٌ: بُعِثَ نُوحٌ وَهُوَ ابْنُ خَمْسِينَ سَنَةً. وَقَالَ عَوْنُ بْنُ شَدَّادٍ: بُعِثَ نُوحٌ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً. وَفِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ: التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ جَمِيعَ الْخَلْقِ الْآنَ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَذَكَرَ النَّقَّاشُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ الْعَرَبَ وَفَارِسَ وَالرُّومَ وَأَهْلَ الشَّامِ وَأَهْلَ الْيَمَنِ مِنْ وَلَدِ سَامَ بْنِ نُوحٍ. وَالسِّنْدَ وَالْهِنْدَ وَالزِّنْجَ وَالْحَبَشَةَ وَالزُّطَّ وَالنُّوبَةَ، وَكُلَّ جِلْدٍ أَسْوَدَ مِنْ وَلَدِ حَامِ بْنِ نُوحٍ. وَالتُّرْكَ وَبَرْبَرَ وَوَرَاءَ الصِّينِ وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَالصَّقَالِبَةَ كُلَّهُمْ مِنْ وَلَدِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ. وَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ ذُرِّيَّةُ نُوحٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) بِرَفْعِ" غَيْرُهُ" قِرَاءَةُ نَافِعٍ وَأَبِي عَمْرٍو وَعَاصِمٍ وَحَمْزَةَ. أَيْ مَا لَكُمْ إِلَهٌ غَيْرُهُ. نَعْتٌ عَلَى الْمَوْضِعِ. وَقِيلَ:" غَيْرُ" بِمَعْنَى إِلَّا، أَيْ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: مَا أَعْرِفُ الْجَرَّ وَلَا النَّصْبَ. وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ بِالْخَفْضِ عَلَى الْمَوْضِعِ. وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَلَيْسَ بِكَثِيرٍ، غَيْرَ أَنَّ الْكِسَائِيَّ وَالْفَرَّاءَ أَجَازَا نَصْبَ" غَيْرَ" فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَحْسُنُ فِيهِ" إِلَّا" تَمَّ الْكَلَامُ أَوْ لَمْ يَتِمَّ فَأَجَازَا: مَا جَاءَنِي غَيْرُكَ. قَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ لُغَةُ بَعْضِ بَنِي أَسَدٍ وَقُضَاعَةَ. وَأَنْشَدَ:


(١). راجع ج ١٥ ص ١١٥. [ ..... ]