للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السَّادِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ) مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ الطَّيِّبَاتِ هِيَ الْمُحَلَّلَاتُ، فَكَأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطِّيبِ، إِذْ هِيَ لَفْظَةٌ تَتَضَمَّنُ مَدْحًا وَتَشْرِيفًا. وَبِحَسَبِ هَذَا نَقُولُ فِي الْخَبَائِثِ: إِنَّهَا الْمُحَرَّمَاتُ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْخَبَائِثُ هِيَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَالرِّبَا وَغَيْرُهُ. وَعَلَى هَذَا حَلَّلَ مَالِكٌ الْمُتَقَذَّرَاتِ كَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَالْخَنَافِسِ وَنَحْوَهَا. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الطَّيِّبَاتِ هِيَ مِنْ جِهَةِ الطَّعْمِ، إِلَّا أَنَّ اللَّفْظَةَ عِنْدَهُ لَيْسَتْ عَلَى عُمُومِهَا، لِأَنَّ عُمُومَهَا بِهَذَا الْوَجْهِ مِنَ الطَّعْمِ يَقْتَضِي تَحْلِيلَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، بَلْ يَرَاهَا مُخْتَصَّةً فِيمَا حَلَّلَهُ الشَّرْعُ. وَيَرَى الْخَبَائِثَ لَفْظًا عَامًّا فِي الْمُحَرَّمَاتِ بِالشَّرْعِ وَفِي الْمُتَقَذَّرَاتِ، فَيُحَرِّمُ الْعَقَارِبَ وَالْخَنَافِسَ وَالْوَزَغَ وَمَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى. وَالنَّاسُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ «١» هَذَا الْمَعْنَى. السَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) الإصر: الثقل، قال مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَابْنُ جُبَيْرٍ. وَالْإِصْرُ أَيْضًا: الْعَهْدُ، قال ابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ. وَقَدْ جَمَعَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْمَعْنَيَيْنِ، فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ كَانَ أُخِذَ عَلَيْهِمْ عَهْدٌ أَنْ يَقُومُوا بِأَعْمَالٍ ثِقَالٍ، فَوُضِعَ عَنْهُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الْعَهْدُ وَثِقَلُ تِلْكَ الْأَعْمَالِ، كَغَسْلِ الْبَوْلِ، وَتَحْلِيلِ الْغَنَائِمِ، وَمُجَالَسَةِ الْحَائِضِ وَمُؤَاكَلَتِهَا وَمُضَاجَعَتِهَا، فَإِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ أَحَدِهِمْ بَوْلٌ قَرَضَهُ. وَرُوِيَ: جِلْدُ أَحَدِهِمْ. وَإِذَا جَمَعُوا الْغَنَائِمَ نَزَلَتْ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَأَكَلَتْهَا، وَإِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ لَمْ يَقْرَبُوهَا، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ «٢» الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ. الثَّامِنَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) فَالْأَغْلَالُ عِبَارَةٌ مُسْتَعَارَةٌ لِتِلْكَ الْأَثْقَالِ. وَمِنَ الْأَثْقَالِ تَرْكُ الِاشْتِغَالِ يَوْمَ السَّبْتِ، فَإِنَّهُ يُرْوَى أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رَأَى يَوْمَ السَّبْتِ رَجُلًا يَحْمِلُ قَصَبًا فَضَرَبَ عُنُقَهُ. هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمُ الدِّيَةُ، وَإِنَّمَا كَانَ الْقِصَاصُ. وَأُمِرُوا بِقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ عَلَامَةً لِتَوْبَتِهِمْ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. فَشُبِّهَ ذلك بالأغلال، كما قال الشاعر:


(١). راجع ج ٢ ص ٢٠٧.
(٢). من ع.