للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ) يُرِيدُ إِنْ دَعَوْا هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ عَوْنَكُمْ بِنَفِيرٍ أَوْ مَالٍ لِاسْتِنْقَاذِهِمْ فَأَعِينُوهُمْ، فَذَلِكَ فَرْضٌ عَلَيْكُمْ فَلَا تخذلوهم. إلا أن يستنصر وكم عَلَى قَوْمٍ كُفَّارٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَلَا تنصر وهم عَلَيْهِمْ، وَلَا تَنْقُضُوا الْعَهْدَ حَتَّى تَتِمَّ مُدَّتُهُ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِلَّا أَنْ يَكُونُوا [أُسَرَاءَ «١»] مُسْتَضْعَفِينَ فَإِنَّ الْوَلَايَةَ مَعَهُمْ قَائِمَةٌ وَالنُّصْرَةَ لَهُمْ وَاجِبَةٌ، حَتَّى لَا تَبْقَى مِنَّا عَيْنٌ تَطْرِفُ حَتَّى تخرج إلى استنقاذ هم إِنْ كَانَ عَدَدُنَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، أَوْ نَبْذُلُ جَمِيعَ أَمْوَالِنَا فِي اسْتِخْرَاجِهِمْ حَتَّى لَا يَبْقَى لِأَحَدٍ دِرْهَمٌ. كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَجَمِيعُ الْعُلَمَاءِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، عَلَى مَا حَلَّ بِالْخَلْقِ فِي تَرْكِهِمْ إِخْوَانَهُمْ فِي أَسْرِ الْعَدُوِّ وَبِأَيْدِيهِمْ خَزَائِنُ الْأَمْوَالِ، وَفُضُولُ الْأَحْوَالِ وَالْقُدْرَةُ وَالْعَدَدُ وَالْقُوَّةُ وَالْجَلَدُ. الزَّجَّاجُ: وَيَجُوزُ" فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ" بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) قَطَعَ اللَّهُ الْوِلَايَةُ بَيْنَ الْكُفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَجَعَلَ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ، وَالْكُفَّارَ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ، يَتَنَاصَرُونَ بِدِينِهِمْ وَيَتَعَامَلُونَ بِاعْتِقَادِهِمْ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا فِي الْكَافِرَةِ يَكُونُ لَهَا الْأَخُ الْمُسْلِمُ: لَا يُزَوِّجُهَا، إِذْ لَا وِلَايَةَ بَيْنَهُمَا، وَيُزَوِّجُهَا أَهْلُ مِلَّتِهَا. فَكَمَا لَا يُزَوِّجُ الْمُسْلِمَةَ إِلَّا مُسْلِمٌ فَكَذَلِكَ الْكَافِرَةُ لَا يُزَوِّجُهَا إِلَّا كَافِرٌ قَرِيبٌ لَهَا، أَوْ أُسْقُفٌ، وَلَوْ مِنْ مُسْلِمٍ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ مُعْتَقَةً، فَإِنْ عَقَدَ عَلَى غَيْرِ الْمُعْتَقَةِ فُسِخَ إِنْ كَانَ لِمُسْلِمٍ، وَلَا يَعْرِضُ لِلنَّصْرَانِيِّ. وَقَالَ أَصْبَغُ: لَا يُفْسَخُ، عَقْدُ الْمُسْلِمِ أَوْلَى وَأَفْضَلُ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا تَفْعَلُوهُ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْمُوَارَثَةِ وَالْتِزَامِهَا. الْمَعْنَى: إِلَّا تَتْرُكُوهُمْ يَتَوَارَثُونَ كَمَا كَانُوا يَتَوَارَثُونَ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. وَقِيلَ: هِيَ عَائِدَةٌ عَلَى التَّنَاصُرِ وَالْمُؤَازَرَةِ وَالْمُعَاوَنَةِ وَاتِّصَالِ الْأَيْدِي. ابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ: وَهَذَا إِنْ لَمْ يُفْعَلْ تَقَعُ الْفِتْنَةُ عَنْهُ عَنْ قَرِيبٍ، فَهُوَ آكَدُ مِنَ الْأَوَّلِ. وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَسَعْدٍ ابْنَيْ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْمُزَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إذا جاءكم من ترضون


(١). زيادة عن ابن العربي