للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَمَّرَ أُسَامَةَ: (إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ وَايْمِ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ). خَرَّجَهُ الصَّحِيحُ «١». الثَّانِيَةُ- اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ قَتْلِ كُلِّ مَنْ طَعَنَ فِي الدِّينِ، إِذْ هُوَ كَافِرٌ. وَالطَّعْنُ أَنْ يَنْسُبَ إِلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ، أَوْ يَعْتَرِضُ بِالِاسْتِخْفَافِ عَلَى مَا هُوَ مِنَ الدِّينِ، لِمَا ثَبَتَ مِنَ الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ عَلَى صِحَّةِ أُصُولِهِ وَاسْتِقَامَةِ فُرُوعِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَدْ حُكِيَ عَنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُقْتَلُ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ فِي مَجْلِسِ عَلِيٍّ: مَا قُتِلَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ إِلَّا غَدْرًا، فَأَمَرَ عَلِيٌّ بِضَرْبِ عُنُقِهِ. وَقَالَهُ آخَرُ فِي مَجْلِسِ مُعَاوِيَةَ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: أَيُقَالُ هَذَا فِي مَجْلِسِكَ وَتَسْكُتُ! وَاللَّهِ لَا أُسَاكِنُكَ تَحْتَ سَقْفٍ «٢» أبدا، ولين خَلَوْتُ بِهِ لَأَقْتُلَنَّهُ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذَا يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ إِنْ نَسَبَ الْغَدْرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهُوَ الَّذِي فَهِمَهُ عَلِيٌّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا مِنْ قَائِلِ ذَلِكَ، لِأَنَّ ذَلِكَ زَنْدَقَةٌ. فَأَمَّا إِنْ نَسَبَهُ لِلْمُبَاشِرِينَ لِقَتْلِهِ بِحَيْثُ يَقُولُ: إِنَّهُمْ أَمَّنُوهُ ثُمَّ غَدَرُوهُ لَكَانَتْ هَذِهِ النِّسْبَةُ كَذِبًا مَحْضًا، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ مَعَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ أَمَّنُوهُ وَلَا صَرَّحُوا لَهُ بِذَلِكَ، وَلَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَمَا كَانَ أَمَانًا، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا وَجَّهَهُمْ لِقَتْلِهِ لَا لِتَأْمِينِهِ، وَأَذِنَ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فِي أَنْ يَقُولَ. وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ فِي قَتْلِ مَنْ نَسَبَ ذَلِكَ لَهُمْ نَظَرٌ وَتَرَدُّدٌ. وَسَبَبُهُ هَلْ يَلْزَمُ مِنْ نِسْبَةِ الْغَدْرِ لَهُمْ نِسْبَتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ قَدْ صَوَّبَ فِعْلَهُمْ وَرَضِيَ بِهِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِالْغَدْرِ وَمَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ قتل، أولا يَلْزَمُ مِنْ نِسْبَةِ الْغَدْرِ لَهُمْ نِسْبَتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُقْتَلُ. وَإِذَا قُلْنَا لَا يُقْتَلُ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَنْكِيلِ ذَلِكَ الْقَائِلِ وَعُقُوبَتِهِ بِالسَّجْنِ، وَالضَّرْبِ الشَّدِيدِ وَالْإِهَانَةِ العظيمة.


(١). راجع صحيح مسلم (كتاب الفضائل).
(٢). في ب: سقيفة.