للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَعْنِي خُزَاعَةَ حُلَفَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكُلُّهُ عَطْفٌ، وَيَجُوزُ فِيهِ كُلِّهِ الرَّفْعُ عَلَى الْقَطْعِ مِنَ الْأَوَّلِ. وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى إِضْمَارِ (أَنْ) وَهُوَ الصَّرْفُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ، كَمَا قَالَ:

فَإِنْ يَهْلِكْ أَبُو قَابُوسَ يَهْلِكْ ... رَبِيعُ النَّاسِ وَالشَّهْرُ الْحَرَامُ

وَنَأْخُذَ بَعْدَهُ بِذِنَابِ عَيْشٍ ... أَجَبَّ الظَّهْرِ لَيْسَ لَهُ سَنَامُ «١»

وَإِنْ شِئْتَ رَفَعْتَ (وَنَأْخُذُ) وَإِنْ شِئْتَ نَصَبْتَهُ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) بَنُو خُزَاعَةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْ مُجَاهِدٍ. فَإِنَّ قُرَيْشًا أَعَانَتْ بَنِي بَكْرٍ عَلَيْهِمْ وَكَانَتْ خُزَاعَةُ حُلَفَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَنْشَدَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ هِجَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ خُزَاعَةَ: لَئِنْ أَعَدْتَهُ لَأَكْسِرَنَّ فَمَكَ فَأَعَادَهُ فَكَسَرَ فَاهُ وَثَارَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ فَقَتَلُوا مِنَ الْخُزَاعِيِّينَ أَقْوَامًا فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرَهُ بِهِ فَدَخَلَ مَنْزِلَ مَيْمُونَةَ وَقَالَ: (اسْكُبُوا إِلَيَّ مَاءً) فَجَعَلَ يَغْتَسِلُ وَهُوَ يَقُولُ: (لَا نُصِرْتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرْ بَنِي كَعْبٍ) «٢». ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّجَهُّزِ وَالْخُرُوجِ إِلَى مَكَّةَ فَكَانَ الْفَتْحُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) الْقِرَاءَةُ بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ (وَيَتُبْ) بِالْجَزْمِ لِأَنَّ الْقِتَالَ غَيْرُ مُوجِبٍ لَهُمُ التَّوْبَةَ مِنَ الله عز وجل وَهُوَ مُوجِبٌ لَهُمُ الْعَذَابَ وَالْخِزْيَ وَشِفَاءَ صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ وَذَهَابَ غَيْظِ قُلُوبِهِمْ وَنَظِيرُهُ:" فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ" [الشورى: ٢٤] تَمَّ الْكَلَامُ. ثُمَّ قَالَ:" وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ" «٣» [الشورى: ٢٤]. وَالَّذِينَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِثْلُ أَبِي سُفْيَانَ وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ وَسُلَيْمِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو، فَإِنَّهُمْ أَسْلَمُوا. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ" وَيَتُوبَ" بِالنَّصْبِ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عِيسَى الثَّقَفِيِّ وَالْأَعْرَجِ، وَعَلَيْهِ فَتَكُونُ التَّوْبَةُ دَاخِلَةً فِي جَوَابِ الشَّرْطِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: إِنْ تُقَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ.


(١). الذناب (بكسر الذال): عقب كل شي ومؤخره. والأجب: الجمل المقطوع السنام. والبيتان للنابغة الذبياني. وصف مرض النعمان بن المنذر وأنه أن هلك صار الناس بعده في أسوأ حال وأضيق عيش وتمسكوا منه مثل ذنب بعير أجب. وفي البيت شاهد آخر. راجع خزانة الأدب للبغدادي في الشاهد السادس والخمسين بعد السبعمائة وشواهد سيبويه ج ١ ص ١٠٠ طبع بولاق.
(٢). بنو كعب في خزاعة وهم قوم عمرو.
(٣). راجع ج ١٦ ص ٢٤ فما بعد.