للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَيُعْطَى مِنَ الصَّدَقَةِ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ، وَكَفِّ الْعَدُوِّ عَنِ الْحَوْزَةِ، لِأَنَّهُ كُلَّهُ مِنْ سَبِيلِ الْغَزْوِ وَمَنْفَعَتِهِ. وَقَدْ أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةَ نَاقَةٍ فِي نَازِلَةِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ إِطْفَاءً لِلثَّائِرَةِ. قُلْتُ: أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ، يَعْنِي دِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي قُتِلَ بِخَيْبَرَ، وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ: تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَدِ احْتَاجَ فِي غَزْوَتِهِ وَغَابَ عَنْهُ غَنَاؤُهُ وَوَفْرُهُ. قَالَ: وَلَا تَحِلُّ لِمَنْ كَانَ مَعَهُ مَالُهُ مِنَ الْغُزَاةِ، إِنَّمَا تَحِلُّ لِمَنْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا عَنْهُ مِنْهُمْ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ: لَا يُعْطَى الْغَازِي إِلَّا إِذَا كَانَ فَقِيرًا مُنْقَطِعًا بِهِ. وَهَذِهِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ، وَالزِّيَادَةُ عِنْدَهُ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ، وَالنَّسْخُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِقُرْآنٍ أَوْ خَبَرٍ مُتَوَاتِرٍ، وَذَلِكَ مَعْدُومٌ هُنَا، بَلْ فِي صَحِيحِ السُّنَّةِ خِلَافُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا أَوْ لِغَارِمٍ أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ أَوْ لِرَجُلٍ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتَصَدَّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَى الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ (. رَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلًا عَنْ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ. وَرَفَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ مُفَسِّرًا لِمَعْنَى الْآيَةِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِبَعْضِ الْأَغْنِيَاءِ أَخْذُهَا، وَمُفَسِّرًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ) لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا مُجْمَلٌ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ بِدَلِيلِ الْخَمْسَةِ الْأَغْنِيَاءِ الْمَذْكُورِينَ. وَكَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ لِغَنِيٍّ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الصَّدَقَةِ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الْجِهَادِ وَيُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِفَقِيرٍ. قَالَ: وَكَذَلِكَ الْغَارِمُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الصَّدَقَةِ مَا يَقِي بِهِ مَالَهُ وَيُؤَدِّي مِنْهَا دَيْنَهُ وَهُوَ عَنْهَا غَنِيٌّ. قَالَ: وَإِذَا احْتَاجَ الْغَازِي فِي غَزْوَتِهِ وَهُوَ غَنِيٌّ لَهُ مَالٌ غَابَ عَنْهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنَ الصَّدَقَةِ شَيْئًا يَسْتَقْرِضُ، فَإِذَا بَلَغَ بَلَدَهُ أَدَّى ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ. هَذَا كُلُّهُ ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَزَعَمَ أَنَّ ابْنَ نَافِعٍ وَغَيْرَهُ خَالَفُوهُ فِي ذَلِكَ. وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ وَغَيْرُهُ