للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنْتَ جَدِيرٌ الْقِيَامَ كَانَ خَطَأً. وَإِنَّمَا صَلُحَ مَعَ" أَنْ" لِأَنَّ أَنْ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ فَكَأَنَّهَا عِوَضٌ مِنَ الْمَحْذُوفِ. (حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ) أَيْ فَرَائِضَ الشَّرْعِ. وَقِيلَ: حُجَجُ اللَّهِ في الربوبية وبعثة الرسل لقلة نظرهم. الثانية- وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ وَدَلَّ عَلَى نَقْصِهِمْ وَحَطِّهِمْ عَنِ الْمَرْتَبَةِ الْكَامِلَةِ عَنْ سِوَاهُمْ تَرَتَّبَتْ عَلَى ذَلِكَ أَحْكَامٌ ثَلَاثَةٌ: أَوَّلُهَا- لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَفِيهِ:" ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ من دار هم إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا عَنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَكُونُ لهم في الغنيمة والفيء شي إِلَّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ". وَثَانِيهَا- إِسْقَاطُ شَهَادَةِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ عَنِ الْحَاضِرَةِ لِمَا فِي ذلك من تحقق التهمة. وأجاز ها أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ: لِأَنَّهَا لَا تُرَاعَى كُلُّ تُهْمَةٍ وَالْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ عِنْدَهُ عَلَى الْعَدَالَةِ. وَأَجَازَهَا الشَّافِعِيُّ إِذَا كَانَ عَدْلًا مَرْضِيًّا وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا بَيَّنَّاهُ فِي (الْبَقَرَةِ) «١». وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَعْرَابَ هُنَا أَوْصَافًا ثَلَاثَةً: أَحَدُهَا- بِالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ. وَالثَّانِي- بِأَنَّهُ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ. وَالثَّالِثُ- بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ فَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ فَبَعِيدٌ أَلَّا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ فَيُلْحَقُ بِالثَّانِي وَالْأَوَّلِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ. وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي (النِّسَاءِ) «٢». وَثَالِثُهَا- أَنَّ إِمَامَتَهُمْ بِأَهْلِ الْحَاضِرَةِ مَمْنُوعَةٌ لِجَهْلِهِمْ بِالسُّنَّةِ وَتَرْكِهِمْ الْجُمْعَةَ. وَكَرِهَ أَبُو مِجْلَزٍ إِمَامَةَ الْأَعْرَابِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَؤُمُّ وَإِنْ كان أقرأ هم. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ: الصَّلَاةُ خَلْفَ الْأَعْرَابِيِّ جَائِزَةٌ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إذا أقام حدود الصلاة.


(١). راجع ج ٣ ص ٣٩٦.
(٢). راجع ج ٥ ص ٤١٠ فما بعد.