للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالرَّفْعِ، وَمِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي الرَّفْعِ ما قاله أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ قَالَ: يَكُونُ الْمَعْنَى غَيْرَ قَوْمِ يُونُسَ، فَلَمَّا جَاءَ بِإِلَّا أُعْرِبَ الِاسْمُ الذي بعد ها بِإِعْرَابِ غَيْرَ، كَمَا قَالَ:

وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوهُ ... لَعَمْرِ أَبِيكَ إِلَّا الْفَرْقَدَانِ

وَرُوِيَ فِي قِصَّةِ قَوْمِ يُونُسَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: أَنَّ قَوْمَ يُونُسَ كَانُوا بِنِينَوَى مِنْ أَرْضِ الْمَوْصِلِ وَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَتَرْكِ مَا هُمْ عَلَيْهِ فَأَبَوْا، فَقِيلَ: إِنَّهُ أَقَامَ يَدْعُوهُمْ تِسْعَ سِنِينَ فَيَئِسَ مِنْ إِيمَانِهِمْ، فَقِيلَ لَهُ: أَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْعَذَابَ مُصَبِّحُهُمْ إِلَى ثَلَاثٍ فَفَعَلَ، وَقَالُوا: هُوَ رَجُلٌ لَا يَكْذِبُ فَارْقُبُوهُ فَإِنْ أَقَامَ مَعَكُمْ وَبَيْنَ أَظْهُرِكُمْ فَلَا عَلَيْكُمْ، وَإِنِ ارْتَحَلَ عَنْكُمْ فَهُوَ نُزُولُ الْعَذَابِ لَا شَكَّ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ تَزَوَّدَ يُونُسُ وَخَرَجَ عَنْهُمْ فَأَصْبَحُوا فَلَمْ يَجِدُوهُ فَتَابُوا وَدَعَوُا اللَّهَ ولبسوا المسوج وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْأُمَّهَاتِ وَالْأَوْلَادِ مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ، وَرَدُّوا الْمَظَالِمَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَكَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي الْحَجَرَ قَدْ وَضَعَ عَلَيْهِ أَسَاسَ بُنْيَانِهِ فَيَقْتَلِعُهُ فَيَرُدُّهُ، وَالْعَذَابُ مِنْهُمْ فِيمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى ثُلُثَيْ مِيلٍ. وَرُوِيَ عَلَى مِيلٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ غَشِيَتْهُمْ ظُلَّةٌ وَفِيهَا حُمْرَةٌ فَلَمْ تَزَلْ تَدْنُو حَتَّى وَجَدُوا حَرَّهَا بَيْنَ أَكْتَافِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: غَشِيَهُمُ الْعَذَابُ كَمَا يَغْشَى الثَّوْبُ الْقَبْرَ، فَلَمَّا صَحَّتْ تَوْبَتُهُمْ رَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: خُصَّ قَوْمُ يُونُسَ مِنْ بَيْنٍ سَائِرِ الْأُمَمِ بِأَنْ تِيبَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ مُعَايَنَةِ الْعَذَابِ، وَذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَقَعْ بِهِمُ الْعَذَابُ، وَإِنَّمَا رَأَوُا الْعَلَامَةَ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْعَذَابِ، وَلَوْ رَأَوْا عَيْنَ الْعَذَابِ لَمَا نَفَعَهُمُ الْإِيمَانُ. قُلْتُ: قَوْلُ الزَّجَّاجِ حَسَنٌ، فَإِنَّ الْمُعَايَنَةَ الَّتِي لَا تَنْفَعُ التَّوْبَةُ مَعَهَا هِيَ التَّلَبُّسُ بِالْعَذَابِ كَقِصَّةِ فِرْعَوْنَ، وَلِهَذَا جَاءَ بِقِصَّةِ قَوْمِ يُونُسَ عَلَى أَثَرِ قِصَّةِ فِرْعَوْنَ لِأَنَّهُ آمَنَ حِينَ رَأَى الْعَذَابَ فَلَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ، وَقَوْمُ يُونُسَ تَابُوا قَبْلَ ذَلِكَ. وَيُعَضِّدُ هَذَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ). وَالْغَرْغَرَةُ الْحَشْرَجَةُ، وَذَلِكَ هُوَ حَالُ التَّلَبُّسِ بِالْمَوْتِ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رُوِيَ مَعْنَى مَا قُلْنَاهُ عن ابن مسعود، أن ويونس لَمَّا وَعَدَهُمُ الْعَذَابَ إِلَى ثَلَاثَةِ