للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالُوا: أَنْتَ أَشْجَعُنَا وَجَعَلُوهُ رَئِيسًا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَحَيَّرَ فِي ذَلِكَ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ لَهُ: امْسَحْ يَدَكَ عَلَى رَأْسِ الْكَلْبِ فَفَعَلَ فَلَمَّا رَأَتِ السِّبَاعُ أَنَّ الْكَلْبَ أَلِفَ آدَمَ تَفَرَّقُوا. وَاسْتَأْمَنَهُ الْكَلْبُ فَأَمِنَهُ آدَمُ فَبَقِي مَعَهُ وَمَعَ أَوْلَادِهِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ نَحْوَ هَذَا وَأَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْضِ جَاءَ إِبْلِيسُ إِلَى السِّبَاعِ فَأَشْلَاهُمْ «١» عَلَى آدَمَ لِيُؤْذُوهُ وَكَانَ أَشَدَّهُمْ عَلَيْهِ الْكَلْبُ فَأُمِيتَ فُؤَادُهُ فَرُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَهُ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَوَضَعَهَا فَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ وَأَلِفَهُ فَصَارَ مِمَّنْ يَحْرُسُهُ وَيَحْرُسُ وَلَدَهُ ويألفهم. ويموت فُؤَادِهِ يَفْزَعُ مِنَ الْآدَمِيِّينَ فَلَوْ رُمِيَ بِمَدَرٍ وَلَّى هَارِبًا ثُمَّ يَعُودُ آلِفًا لَهُمْ. فَفِيهِ شُعْبَةٌ مِنْ إِبْلِيسَ وَفِيهِ شُعْبَةٌ مِنْ مَسْحَةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهُوَ بِشُعْبَةِ إِبْلِيسَ يَنْبَحُ وَيَهِرُّ وَيَعْدُو عَلَى الْآدَمِيِّ وَبِمَسْحَةِ آدَمَ مَاتَ فُؤَادُهُ حَتَّى ذَلَّ وَانْقَادَ وَأَلِفَ بِهِ وَبِوَلَدِهِ يَحْرُسُهُمْ وَلَهَثُهُ «٢» عَلَى كُلِّ أَحْوَالِهِ مِنْ مَوْتِ فُؤَادِهِ وَلِذَلِكَ شَبَّهَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْعُلَمَاءَ السُّوءَ بِالْكَلْبِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي" الْأَعْرَافِ" «٣» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَنَزَلَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْعَصَا الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ آيَةً لِمُوسَى فَكَانَ يَطْرُدُ بِهَا السِّبَاعَ عَنْ نَفْسِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ" هُدىً" فَقِيلَ: كِتَابُ اللَّهِ قَالَهُ السُّدِّيُّ. وَقِيلَ: التَّوْفِيقُ لِلْهِدَايَةِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: الْهُدَى الرُّسُلُ وَهِيَ إِلَى آدَمَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَإِلَى بَنِيهِ مِنَ الْبَشَرِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَخَرَّجَهُ الْآجُرِّيُّ. وَفِي قَوْلِهِ" مِنِّي" إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ خَلْقٌ لِلَّهِ تَعَالَى خِلَافًا لِلْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ «٤» وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيُّ" هُدَيَّ" وَهُوَ لُغَةُ هُذَيْلٍ يَقُولُونَ: هُدَيَّ وَعَصَيَّ وَمَحْيَيَّ. وَأَنْشَدَ النَّحْوِيُّونَ لِأَبِي ذُؤَيْبٍ يَرْثِي بَنِيهِ:

سَبَقُوا هَوَيَّ وَأَعْنَقُوا لِهَوَاهُمُ ... فَتُخُرِّمُوا وَلِكُلِ جنب مصرع «٥»


(١). أشلاهم: أغراهم.
(٢). لهث الكلب: إِذَا أَخْرَجَ لِسَانَهُ مِنَ التَّعَبِ أَوِ الْعَطَشِ.
(٣). راجع ج ٧ ص ٣٢٣.
(٤). راجع المسألة الثالثة ص ١٨٦ من هذا الجزء.
(٥). (هوي): يريد هواى أي ماتوا قبلي وكنت أحب أن أموت قبلهم. (وأعنقوا لهواهم) جعلهم كأنهم هووا الذهاب إلى المنية لسرعتهم إليها وهم لم يهووها. (فتخرموا) أي أخذوا واحدا واحدا.