للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لِأَنَّ شِعَافَ الْجِبَالِ. أَعَالِيهَا، وَقَدْ شُغِفَ بِذَلِكَ شَغْفًا بِإِسْكَانِ الْغَيْنِ إِذَا أُولِعُ بِهِ، إِلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ أَنْشَدَ بَيْتَ امْرِئِ الْقَيْسِ:

لِتَقْتُلَنِي «١» وَقَدْ شَعَفْتً فُؤَادَهَا ... كَمَا شَعَفَ الْمَهْنُوءَةَ «٢» الرَّجُلُ الطَّالِي

قَالَ: فَشُبِّهَتْ لَوْعَةُ الْحُبِّ وَجَوَاهُ بِذَلِكَ. وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الشَّغَفُ بالغا لمعجمة حُبٌّ، وَالشَّعَفُ بِالْعَيْنِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ جُنُونٌ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَحُكِيَ" قَدْ شَغِفَهَا" بِكَسْرِ الْغَيْنِ، وَلَا يُعْرَفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِلَّا" شَغَفَها" بِفَتْحِ الْغَيْنِ، وَكَذَا" شَعَفَهَا" أَيْ تَرَكَهَا مَشْعُوفَةً. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنِ الْحَسَنِ: الشَّغَافُ حِجَابُ الْقَلْبِ، وَالشَّعَافُ سُوَيْدَاءُ الْقَلْبِ، فَلَوْ وَصَلَ الْحُبُّ إِلَى الشَّعَافِ لَمَاتَتْ، وَقَالَ الْحَسَنُ: وَيُقَالُ إِنَّ الشَّغَافَ الْجِلْدَةُ اللَّاصِقَةُ بِالْقَلْبِ «٣» الَّتِي لَا تُرَى، وَهِيَ الْجِلْدَةُ الْبَيْضَاءُ، فَلَصِقَ حُبُّهُ بِقَلْبِهَا كَلُصُوقِ الْجِلْدَةِ بِالْقَلْبِ «٤». قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أَيْ فِي هَذَا الْفِعْلِ. وَقَالَ قَتَادَةُ:" فَتاها" وَهُوَ فَتَى زَوْجِهَا، لِأَنَّ يُوسُفَ كَانَ عِنْدَهُمْ فِي حُكْمِ الْمَمَالِيكِ، وَكَانَ يَنْفُذُ أَمْرُهَا فِيهِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: إِنَّ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ اسْتَوْهَبَتْ زَوْجَهَا يُوسُفَ فَوَهَبَهُ لَهَا، وَقَالَ: مَا تَصْنَعِينَ بِهِ؟ قَالَتْ أَتَّخِذُهُ وَلَدًا، قَالَ: هُوَ لَكِ، فَرَبَّتْهُ حَتَّى أَيْفَعَ وَفِي نَفْسِهَا مِنْهُ مَا فِي نَفْسِهَا، فَكَانَتْ تَنْكَشِفُ لَهُ وَتَتَزَيَّنُ وَتَدْعُوهُ مِنْ وَجْهِ اللُّطْفِ فَعَصَمَهُ اللَّهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ) أَيْ بِغِيبَتِهِنَّ إِيَّاهَا، وَاحْتِيَالِهِنَّ فِي ذَمِّهَا. وَقِيلَ: إِنَّهَا أَطْلَعَتْهُنَّ وَاسْتَأْمَنَتْهُنَّ فَأَفْشَيْنَ سِرَّهَا، فَسُمِّيَ ذَلِكَ مَكْرًا. وقوله: (أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ) فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، أَيْ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ تَدْعُوهُنَّ إِلَى وَلِيمَةٍ لِتُوقِعَهُنَّ فِيمَا وَقَعَتْ فِيهِ، فَقَالَ مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ قَالَتْ لِزَوْجِهَا إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَّخِذَ طَعَامًا فَأَدْعُوَ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةَ، فَقَالَ لَهَا: افْعَلِي، فَاتَّخَذَتْ طَعَامًا، ثُمَّ نَجَّدَتْ لَهُنَّ الْبُيُوتَ، نجدت أي زينت، والنجد ما ينجد


(١). في ى والطبري: أتقتلني. وهو الأشبه.
(٢). المهنوءة: المطلية بالقطران، وإذا هنئ البعير بالقطران يجد له لذة مع حرقة، كحرقة الهوى مع لذته.
(٣). في ع وو: الكبد. وليس بصحيح.
(٤). في ع وو: الكبد. وليس بصحيح.