للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: ثَرَّبْتُ عَلَيْهِ وَعَرَّبْتُ عَلَيْهِ بِمَعْنَى إِذَا قَبَّحْتُ عَلَيْهِ فِعْلَهُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى لَا إِفْسَادَ لِمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ الْحُرْمَةِ، وَحَقِّ الْإِخْوَةِ، وَلَكُمْ عِنْدِي الْعَفْوُ وَالصَّفْحُ، وَأَصْلُ التَّثْرِيبِ الْإِفْسَادُ، وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِعُضَادَتَيِ الْبَابِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَقَدْ لَاذَ النَّاسُ بِالْبَيْتِ فَقَالَ:" الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ" ثُمَّ قَالَ:" مَاذَا تَظُنُّونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ" قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ وَقَدْ قَدَرْتَ، قَالَ:" وَأَنَا أَقُولُ كَمَا قَالَ أَخِي يُوسُفَ" لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ"" فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَفِضْتُ عَرَقًا مِنَ الْحَيَاءِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَلِكَ أَنِّي قَدْ كُنْتُ قُلْتُ لَهُمْ حِينَ دَخَلْنَا مَكَّةَ: الْيَوْمَ نَنْتَقِمُ مِنْكُمْ وَنَفْعَلُ، فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ قَوْلِي. (يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ) مُسْتَقْبَلٌ فِيهِ مَعْنَى الدُّعَاءِ، سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهِمْ وَيَرْحَمَهُمْ. وَأَجَازَ الْأَخْفَشُ الْوَقْفَ عَلَى" عَلَيْكُمُ" وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ، فَإِنَّ فِي الْوَقْفِ عَلَى" عَلَيْكُمُ" والابتداء ب" الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ" جزم بِالْمَغْفِرَةِ فِي الْيَوْمِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ وَحْيٍ، وَهَذَا بَيِّنٌ. وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: طَلَبُ الْحَوَائِجِ مِنَ الشَّبَابِ أَسْهَلُ مِنْهُ مِنَ الشُّيُوخِ، أَلَمْ تَرَ قَوْلَ يُوسُفَ:" لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ" وَقَالَ يَعْقُوبُ:" سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي". قَوْلُهُ تَعَالَى: (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا) نَعْتٌ لِلْقَمِيصِ، وَالْقَمِيصُ مُذَكَّرٌ، فَأَمَّا قَوْلُ الشَّاعِرِ «١»:

تَدْعُو هَوَازِنُ وَالْقَمِيصُ مُفَاضَةٌ ... فَوْقَ النِّطَاقِ تُشَدُّ بِالْأَزْرَارِ

فَتَقْدِيرُهُ: [وَالْقَمِيصُ] «٢» دِرْعٌ مُفَاضَةٌ. قَالَهُ النَّحَّاسُ. وَقَالَ ابْنُ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُجَاهِدٍ: قَالَ لَهُمْ يُوسُفُ:" اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً" قَالَ: كَانَ يُوسُفُ أَعْلَمَ بِاللَّهِ مِنْ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ قَمِيصَهُ يَرُدُّ عَلَى يَعْقُوبَ بَصَرَهُ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ قَمِيصُ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي أَلْبَسُهُ اللَّهُ فِي النَّارِ مِنْ حَرِيرِ الْجَنَّةِ، وَكَانَ كَسَاهُ إِسْحَاقَ، وَكَانَ إِسْحَاقُ كَسَاهُ يَعْقُوبَ، وَكَانَ يَعْقُوبُ أَدْرَجَ ذَلِكَ الْقَمِيصَ فِي قَصَبَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَعَلَّقَهُ فِي عُنُقِ يُوسُفَ، لِمَا كَانَ يَخَافُ عليه من


(١). هو جرير.
(٢). الزيادة عن النحاس.