للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَرَاتِبِهَا «١» مِنْهَا، قَالَ: فَسَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْرَأُ" وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ" بِفَتْحِ اللَّامِ الْأُولَى مِنْ" لَتَزُولُ" وَضَمَّ الثَّانِيَةِ. وَقَدْ ذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ هَذَا الْخَبَرَ بِمَعْنَاهُ، وَأَنَّ الْجَبَّارَ هُوَ النُّمْرُودُ الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ مَعَهُ فِي التَّابُوتِ غُلَامٌ أَمْرَدُ، وَقَدْ حَمَلَ الْقَوْسَ وَالنَّبْلَ فَرَمَى بِهِمَا فَعَادَ إِلَيْهِ مُلَطَّخًا بِالدِّمَاءِ وَقَالَ: كَفَيْتَ نَفْسَكَ «٢» إِلَهَ السَّمَاءِ. قَالَ عِكْرِمَةُ: تَلَطَّخَ بِدَمِ سَمَكَةٍ من السماء، فقذفت نَفْسَهَا إِلَيْهِ مِنْ بَحْرٍ فِي الْهَوَاءِ مُعَلَّقٌ. وَقِيلَ: طَائِرٌ مِنَ الطَّيْرِ أَصَابَهُ السَّهْمُ ثُمَّ أَمَرَ نُمْرُودُ صَاحِبَهُ أَنْ يَضْرِبَ الْعَصَا وَأَنْ يُنَكِّسَ اللَّحْمَ، فَهَبَطَتِ النُّسُورُ بِالتَّابُوتِ، فَسَمِعَتِ الْجِبَالُ حَفِيفَ التَّابُوتِ وَالنُّسُورِ فَفَزِعَتْ، وَظَنَّتْ أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ بِهَا حَدَثٌ مِنَ السَّمَاءِ، وَأَنَّ السَّاعَةَ قَدْ قَامَتْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:" وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ". قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَهَذَا جَائِزٌ بِتَقْدِيرِ خَلْقِ الْحَيَاةِ فِي الْجِبَالِ. وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النُّمْرُودَ بْنَ كَنْعَانَ بَنَى الصَّرْحَ فِي قَرْيَةِ الرَّسِّ مِنْ سَوَادِ الكوفة، وجعل طول خَمْسَةَ آلَافِ ذِرَاعٍ وَخَمْسِينَ ذِرَاعًا، وَعَرْضَهُ ثَلَاثَةَ آلَافِ ذِرَاعٍ وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا، وَصَعِدَ مِنْهُ مَعَ النُّسُورِ، فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى السَّمَاءِ اتَّخَذَهُ حِصْنًا، وَجَمَعَ فِيهِ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ لِيَتَحَصَّنَّ فِيهِ. فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُ مِنَ الْقَوَاعِدِ، فَتَدَاعَى الصَّرْحُ عَلَيْهِمْ فَهَلَكُوا جَمِيعًا، فَهَذَا مَعْنَى" وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ" وَفِي الْجِبَالِ الَّتِي عَنَى زَوَالَهَا بِمَكْرِهِمْ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا- جِبَالُ الْأَرْضِ. الثَّانِي- الْإِسْلَامُ وَالْقُرْآنُ، لِأَنَّهُ لِثُبُوتِهِ وَرُسُوخِهِ كَالْجِبَالِ. وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ:" وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ" أَيْ هُوَ عَالِمٌ بِذَلِكَ فَيُجَازِيهِمْ أَوْ عِنْدَ اللَّهِ جَزَاءُ مَكْرِهِمْ فَحَذَفَ الْمُضَافَ." وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ" بِكَسْرِ اللَّامِ، أَيْ مَا كَانَ مَكْرُهُمْ مَكْرًا يَكُونُ لَهُ أَثَرٌ وَخَطَرٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَالْجِبَالُ مَثَلٌ لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ:" وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ" فِي تَقْدِيرِهِمْ" لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ" وَتُؤَثِّرَ في إبطال الإسلام. وقرى" لَتَزُولُ مِنْهُ الْجِبَالُ" بِفَتْحِ اللَّامِ الْأُولَى وَضَمِّ الثَّانِيَةِ، أَيْ كَانَ مَكْرًا عَظِيمًا تَزُولُ مِنْهُ الْجِبَالُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَفِظَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله


(١). تعقب هذه القصة ابن عطية في تفسيره بعد أن حكاها عن الطبري بقوله:" وذلك عندي لا يصح عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، وفى هذه القصة ضعف من طريق المعنى، وذلك إنه من غير الممكن أن تصعد الأنسر كما وصف، وبعيد أن يغرر احد بنفسه في مثل هذا".
(٢). عبارة الثعلبي في" قصص الأنبياء": (كفيت شغل إله السماء).