للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قِيلَ: يُقْرَنُ كُلُّ كَافِرٍ مَعَ شَيْطَانٍ فِي غُلٍّ، بَيَانُهُ قَوْلُهُ:" احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ" «١» يَعْنِي قُرَنَاءَهُمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ. وَقِيلَ إِنَّهُمُ الْكُفَّارُ يُجْمَعُونَ فِي الْأَصْفَادِ كَمَا اجْتَمَعُوا فِي الدُّنْيَا عَلَى الْمَعَاصِي. (سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ) أَيْ قُمُصُهُمْ، عَنِ ابْنِ دُرَيْدٍ وَغَيْرِهِ، وَاحِدُهَا سِرْبَالٌ، وَالْفِعْلُ تَسَرْبَلْتُ وَسَرْبَلْتُ غَيْرِي، قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ:

تَلْقَاكُمُ عَصَبٌ حَوْلَ النَّبِيِّ لَهُمْ ... مِنْ نَسْجِ داود في الهيجا سراويل

" مِنْ قَطِرانٍ" يَعْنِي قَطِرَانَ الْإِبِلِ الَّذِي تُهْنَأُ بِهِ «٢»، قَالَهُ الْحَسَنُ. وَذَلِكَ أَبْلَغُ لِاشْتِعَالِ النَّارِ فِيهِمْ وَفِي الصَّحِيحِ: أَنَّ النَّائِحَةَ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ. وَرُوِيَ عَنْ حَمَّادٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: هُوَ النُّحَاسُ. وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ" قَطْرَانٍ" بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَسْكِينِ الطَّاءِ. وَفِيهِ قِرَاءَةٌ ثَالِثَةٌ: كَسْرُ الْقَافِ وَجَزْمُ الطَّاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي النَّجْمِ:

جَوْنٌ كَأَنَّ الْعَرَقَ الْمَنْتُوحَا «٣» ... لَبَّسَهُ الْقِطْرَانَ وَالْمُسُوحَا

وَقِرَاءَةٌ رَابِعَةٌ:" مِنْ قَطِرانٍ" «٤» رُوِيَتْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَيَعْقُوبَ، وَالْقِطْرُ النُّحَاسُ وَالصُّفْرُ الْمُذَابُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً" «٥». وَالْآنُ: الَّذِي قَدِ انْتَهَى إِلَى حَرِّهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ" «٦». (وَتَغْشى) أَيْ تَضْرِبُ (وُجُوهَهُمُ النَّارُ) فَتُغَشِّيهَا. (لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) أي بما اكتسبت. (إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) تقدم. قَوْلُهُ تَعَالَى: (هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) أَيْ هَذَا الَّذِي أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ بَلَاغٌ، أَيْ تَبْلِيغٌ وَعِظَةٌ. (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) أَيْ لِيُخَوَّفُوا عِقَابَ اللَّهِ عَزَّ وجل، وقرى." وَلِيَنْذَرُوا" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالذَّالِ، يُقَالُ: نَذِرْتُ بِالشَّيْءِ أَنْذَرُ إِذَا عَلِمْتُ بِهِ فَاسْتَعْدَدْتُ لَهُ، وَلَمْ يَسْتَعْمِلُوا مِنْهُ مَصْدَرًا كَمَا لَمْ يَسْتَعْمِلُوا مِنْ عَسَى وَلَيْسَ، وَكَأَنَّهُمُ اسْتَغْنَوْا بِأَنْ وَالْفِعْلِ كَقَوْلِكَ: سرني أن نذرت بالشيء.


(١). راجع ج ٢٥ ص ٧٢.
(٢). تهنأ به: ترهن.
(٣). نتح العرق خرج من الجلد.
(٤)." قطر" ضبطه في" روح المعاني" بفتح القاف وكسر الطاء وتنوين الراء، ومثله في" البحر المحيط"، وضبط بفتح القاف وكسرها مع سكون الطاء، ففيه ثلاث لغات.
(٥). راجع ج ١١ ص ٦٢.
(٦). راجع ج ١٧ ص ١٧٥.