للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قُلْتُ: وَهَذَا قَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا، رَوَى التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْجَارُودُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ شَرِيكٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله:" فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ" قَالَ:" عَنْ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: مَعْنَاهُ عِنْدَنَا عَنْ صِدْقِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَوَفَائِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ فِي تَنْزِيلِهِ الْعَمَلَ فَقَالَ:" عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ" وَلَمْ يَقُلْ عَمَّا كَانُوا يَقُولُونَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ أَيْضًا عَمَلُ اللِّسَانِ، فَإِنَّمَا الْمَعْنِيُّ بِهِ مَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلٌ وَالْعَمَلَ عَمَلٌ. وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" عَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" أَيْ عَنِ الْوَفَاءِ بِهَا وَالصِّدْقِ لِمَقَالِهَا. كَمَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَيْسَ الْإِيمَانُ بِالتَّحَلِّي وَلَا الدِّينُ بِالتَّمَنِّي وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقُلُوبِ وَصَدَّقَتْهُ الْأَعْمَالُ. وَلِهَذَا مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا دَخَلَ الْجَنَّةَ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا إِخْلَاصُهَا؟ قَالَ:" أَنْ تَحْجِزَهُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ". رَوَاهُ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ. وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيَّ أَلَّا يَأْتِيَنِي أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَا يَخْلِطُ بِهَا شَيْئًا إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الَّذِي يُخْلَطُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ قَالَ:" حِرْصًا عَلَى الدُّنْيَا وَجَمْعًا لَهَا وَمَنْعًا لَهَا، يَقُولُونَ قَوْلَ الْأَنْبِيَاءِ وَيَعْمَلُونَ أَعْمَالَ الْجَبَابِرَةِ". وَرَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَمْنَعُ الْعِبَادَ مِنْ سُخْطِ اللَّهِ مَا لَمْ يُؤْثِرُوا صَفْقَةَ دُنْيَاهُمْ عَلَى دِينِهِمْ فَإِذَا آثَرُوا صَفْقَةَ دُنْيَاهُمْ عَلَى دِينِهِمْ ثُمَّ قَالُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رُدَّتْ عَلَيْهِمْ وَقَالَ اللَّهُ كَذَبْتُمْ". أَسَانِيدُهَا فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ. قُلْتُ: وَالْآيَةُ بِعُمُومِهَا تَدُلُّ عَلَى سُؤَالِ الْجَمِيعِ وَمُحَاسَبَتِهِمْ كَافِرِهِمْ وَمُؤْمِنِهِمْ، إِلَّا مَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ (التَّذْكِرَةِ). فَإِنْ قِيلَ: وَهَلْ يُسْأَلُ الْكَافِرُ وَيُحَاسَبُ؟ قُلْنَا: فِيهِ خِلَافٌ وَذَكَرْنَاهُ فِي التَّذْكِرَةِ. وَالَّذِي يظهر سؤال، للآية وقوله:" وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ «١» " وَقَوْلُهُ:" إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ «٢» ". فإن قيل: فقد قال تعالى:


(١). راجع ج ١٥ ص ٧٢.
(٢). راجع ج ٢٠ ص ٣٨. [ ..... ]