للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَغَيْرِهِمْ، حَتَّى قَالَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ:" اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ" الْآيَةَ، فَاسْتَعْجِلَ الْعَذَابَ. قُلْتُ قَدْ يَسْتَدِلُّ الضَّحَّاكُ بِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ: فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، وَفِي الْحِجَابِ، وَفِي أُسَارَى بَدْرٍ، خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ «١». وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هُوَ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنَ الْمُجَازَاةِ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ:" حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ «٢» ". وَقِيلَ: هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى قُرْبِهَا مِنْ أَشْرَاطِهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا نَزَلَتِ" اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ «٣» " قَالَ الْكُفَّارُ: إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَرُبَتْ، فَأَمْسِكُوا عَنْ بَعْضِ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، فَأَمْسَكُوا وَانْتَظَرُوا فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا، فَقَالُوا: مَا نَرَى شَيْئًا فَنَزَلَتْ" اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ «٤» " الْآيَةَ. فَأَشْفَقُوا وَانْتَظَرُوا قُرْبَ السَّاعَةِ، فَامْتَدَّتِ الْأَيَّامُ فَقَالُوا: مَا نَرَى شَيْئًا فَنَزَلَتْ" أَتى أَمْرُ اللَّهِ" فَوَثَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ وَخَافُوا، فَنَزَلَتْ:" فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ" فَاطْمَأَنُّوا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةِ كَهَاتَيْنِ" وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ: السَّبَّابَةِ وَالَّتِي تَلِيهَا. يَقُولُ: إِنْ كَادَتْ لَتَسْبِقَنِي فَسَبَقْتُهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ بَعْثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَأَنَّ جِبْرِيلَ لما مر بأهل السموات مَبْعُوثًا إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: اللَّهُ أَكْبَرُ، قَدْ قَامَتِ السَّاعَةُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) أَيْ تَنْزِيهًا لَهُ عَمَّا يَصِفُونَهُ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى بَعْثِ الْأَمْوَاتِ، فَوَصَفُوهُ بِالْعَجْزِ الَّذِي لَا يُوصَفُ بِهِ إِلَّا الْمَخْلُوقُ، وَذَلِكَ شِرْكٌ. وَقِيلَ:" عَمَّا يُشْرِكُونَ" أَيْ عَنْ إِشْرَاكِهِمْ. وَقِيلَ:" مَا" بِمَعْنَى الَّذِي أَيِ ارْتَفَعَ عن الذين أشركوا به.


(١). راجع ج ٢ ص ١١٢.
(٢). راجع ج ٩ ص ٣٠.
(٣). راجع ج ١٧ ص ١٢٥.
(٤). راجع ج ١١ ص ٢٦٦.