للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَذَا نَسَبَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِذِي الرُّمَّةِ، وَنَسَبَهُ الْجَوْهَرِيُّ لِلْفَرَزْدَقِ وَقَالَ: الْمُخَيِّسُ اسْمُ سِجْنٍ كَانَ بِالْعِرَاقِ، أَيْ مَوْضِعُ التَّذَلُّلِ، وَقَالَ «١»:

أَمَا تَرَانِي كَيِّسًا مكيسا ... بنيت بعد نافع مخيسا

وَوَحَّدَ الْيَمِينَ فِي قَوْلِهِ:" عَنِ الْيَمِينِ" وَجَمَعَ الشِّمَالَ، لِأَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا الجمع. ولو قال «٢»: عن الايمان والشمائل، واليمين والشمال، أو اليمين وَالشِّمَالِ لَجَازَ، لِأَنَّ الْمَعْنَى لِلْكَثْرَةِ. وَأَيْضًا فَمِنْ شأن العرب إذا اجتمعت علامتان في شي وَاحِدٍ أَنْ تَجْمَعَ إِحْدَاهُمَا وَتُفْرِدَ الْأُخْرَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ «٣» وكقوله تعالى:" وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ «٤» وَلَوْ قَالَ عَلَى أَسْمَاعِهِمْ وَإِلَى الْأَنْوَارِ لَجَازَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَدَّ الْيَمِينَ عَلَى لَفْظٍ" مَا" وَالشِّمَالَ على معناه. وَمِثْلُ هَذَا فِي الْكَلَامِ كَثِيرٌ. قَالَ الشَّاعِرُ:

الْوَارِدُونَ وَتَيْمٌ فِي ذُرَا سَبَإٍ ... قَدْ عَضَّ أَعْنَاقَهُمْ جِلْدُ الْجَوَامِيسِ «٥»

وَلَمْ يَقُلْ جُلُودُ. وَقِيلَ: وحد اليمين لام الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ وَأَنْتَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْقِبْلَةِ انْبَسَطَ الظِّلُّ عَنِ الْيَمِينِ ثُمَّ فِي حَالٍ يَمِيلُ إِلَى جِهَةِ الشِّمَالِ ثُمَّ حَالَاتٍ «٦»، فَسَمَّاهَا شمائل.

[سورة النحل (١٦): الآيات ٤٩ الى ٥٠]

وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (٥٠)

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ أَيْ مِنْ كُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ. (وَالْمَلائِكَةُ) يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ فِي الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُمْ بِالذِّكْرِ لاختصاصهم


(١). القائل هو سيدنا على رضى الله عنه. ونافع: سجن بالكوفة كان غير مستوثق البناء وكان من قصب، وكان المحبوسون يهربون منه. وقيل: إنه نقب وأفلت منه المحبوسون، فهدمه على رضى الله عنه وبنى المخيس لهم من مدر.
(٢). أي قائل في غير القرآن. [ ..... ]
(٣). راجع ج ١ ص ١٨٩.
(٤). راجع ج ٦ ص ١١٧.
(٥). البيت لجرير. ورواية ديوانه:
تدعوك تيم وتيم في قرى سبإ

إلخ
(٦). هكذا وردت هذه الجملة في الأصول. ولعل صوابها: لِأَنَّ الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ وَأَنْتَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى القبلة انبسط الظل عن اليمين في حال، ثم يميل إلى جهة الشمال في حالات، فسماها شمائل. والذي في البحر لابي حيان:" وقيل: وحد اليمين وجمع الشمائل لان الابتداء عن اليمين، ثم ينقبض شيئا فشيئا حالا بعد حال، فهو بمعنى الجمع، فصدق على كل حال لفظة الشمال فتعدد تعدد الحالات".