للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التَّاسِعَةُ- فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْحَلَاوَةِ وَالْأَطْعِمَةِ اللَّذِيذَةِ وَتَنَاوُلِهَا، وَلَا يُقَالُ: إِنَّ ذَلِكَ يُنَاقِضُ الزُّهْدَ أَوْ يُبَاعِدُهُ، لَكِنْ إِذَا كَانَ مِنْ وَجْهِهِ وَمِنْ غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا إِكْثَارٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي" الْمَائِدَةِ «١» " وَغَيْرِهَا. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَقَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحِي هَذَا الشَّرَابَ كُلَّهُ: الْعَسَلَ وَالنَّبِيذَ وَاللَّبَنَ وَالْمَاءَ. وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ أَكْلَ الْفَالُوذَجِ «٢» وَاللَّبَنَ مِنَ الطَّعَامِ، وَأَبَاحَهُ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ عَلَى مَائِدَةٍ وَمَعَهُ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، فَأُتِيَ بِفَالُوذَجٍ فَامْتَنَعَ عَنْ أَكْلِهِ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: كُلْ! فَإِنَّ عَلَيْكَ فِي الْمَاءِ الْبَارِدِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا. الْعَاشِرَةُ- رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَإِذَا سُقِيَ لَبَنًا فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ بَارِكْ لنا فيه وزدنا منه فإنه ليس شي يَجْزِي عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَّا اللَّبَنَ". قَالَ عُلَمَاؤُنَا: فَكَيْفَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ وَهُوَ أَوَّلُ مَا يَغْتَذِي بِهِ الْإِنْسَانُ وَتَنْمَى بِهِ الْجُثَثُ وَالْأَبْدَانُ، فَهُوَ قُوتٌ خَلِيٌّ عَنِ الْمَفَاسِدِ بِهِ قِوَامُ الْأَجْسَامِ، وَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَامَةً لِجِبْرِيلَ عَلَى هِدَايَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي هِيَ خَيْرُ الْأُمَمِ أُمَّةً، فَقَالَ فِي الصَّحِيحِ:" فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ لِي جِبْرِيلُ اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ أَمَا إِنَّكَ لَوِ اخْتَرْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ «٣» أُمَّتُكَ (. ثُمَّ إِنَّ فِي الدُّعَاءِ بِالزِّيَادَةِ مِنْهُ عَلَامَةَ الخصب وظهور الخيرات [وكثرة «٤»] والبركات، فهو مبارك كله.

[[سورة النحل (١٦): آية ٦٧]]

وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٦٧)

الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ" قَالَ الطَّبَرِيُّ: التَّقْدِيرُ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ مَا تَتَّخِذُونَ، فَحَذَفَ" مَا" وَدَلَّ عَلَى حَذْفِهِ قَوْلُهُ:" منه". وقيل:


(١). راجع ج ٦ ص ٢٦٠ وما بعدها، وج ٧ ص ١٩١.
(٢). الفالوذج: حلواء تعمل من الدقيق والماء والعسل. (عن الألفاظ الفارسية المعربة).
(٣). غوت: ضلت وفسدت.
(٤). من ج.