للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ- وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الصَّدَاقِ لِلْمُسْتَكْرَهَةِ، فَقَالَ عَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ: لَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا، وَهُوَ قَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إِذَا أُقِيمَ الْحَدُّ عَلَى الَّذِي زَنَى بِهَا بَطَلَ الصَّدَاقُ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ. الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ- إِذَا أُكْرِهَ الْإِنْسَانُ عَلَى إِسْلَامِ أَهْلِهِ لِمَا لَمْ يَحِلَّ أَسْلَمَهَا، وَلَمْ يَقْتُلْ «١» نَفْسَهُ دُونَهَا وَلَا احْتَمَلَ أَذِيَّةً فِي تَخْلِيصِهَا. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِسَارَةَ وَدَخَلَ بِهَا قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ مِنَ الْمُلُوكِ أَوْ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ أَرْسِلْ بِهَا إِلَيَّ فَأَرْسَلَ بِهَا فَقَامَ إِلَيْهَا فَقَامَتْ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي فَقَالَتِ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ فَلَا تُسَلِّطُ عَلَيَّ هَذَا الْكَافِرَ فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ «٢» ". وَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ سَارَةَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مَلَامَةٌ، فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ عَلَى الْمُسْتَكْرَهَةِ مَلَامَةٌ، وَلَا حَدَّ فِيمَا هُوَ أَكْبَرُ مِنَ الْخَلْوَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ- وَأَمَّا يَمِينُ الْمُكْرَهِ فَغَيْرُ لَازِمَةٍ. عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَسَوَاءٌ حَلَفَ فِيمَا هُوَ طَاعَةٌ لِلَّهِ أَوْ فِيمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ إِذْ أُكْرِهَ عَلَى الْيَمِينِ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ. وَقَالَ مُطَرِّفٌ: إِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْيَمِينِ فِيمَا هُوَ لِلَّهِ مَعْصِيَةٌ أَوْ لَيْسَ فِي فِعْلِهِ طَاعَةٌ وَلَا مَعْصِيَةٌ فَالْيَمِينُ فِيهِ سَاقِطَةٌ، وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْيَمِينِ فِيمَا هُوَ طَاعَةٌ مِثْلَ أَنْ يَأْخُذَ الْوَالِي رَجُلًا فَاسِقًا فَيُكْرِهُهُ أَنْ يَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَشْرَبُ خَمْرًا، أَوْ لَا يَفْسُقُ وَلَا يَغُشُّ فِي عَمَلِهِ، أو الولد يُحَلِّفُ وَلَدَهُ تَأْدِيبًا لَهُ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَلْزَمُ، وَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ قَدْ أَخْطَأَ فِيمَا يُكَلَّفُ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ الْكُوفِيِّينَ: إِنَّهُ إِنْ حَلَفَ أَلَّا يَفْعَلَ فَفَعَلَ حَنِثَ، قَالُوا: لِأَنَّ الْمُكْرَهَ لَهُ أَنْ يُوَرِّيَ فِي يَمِينِهِ كُلِّهَا، فَلَمَّا لَمْ يُوَرِّ وَلَا ذَهَبَتْ نِيَّتُهُ إِلَى خِلَافِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَقَدْ قَصَدَ إِلَى الْيَمِينِ. احْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِأَنْ قَالُوا: إِذَا أُكْرِهَ عَلَيْهَا فَنِيَّتُهُ مُخَالِفَةٌ لِقَوْلِهِ، لِأَنَّهُ كَارِهٌ لما حلف عليه.


(١). ينظر هذا على ما رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجة وفية" من قتل دون أهله شهيد". كشف الخفاج ص ٢٦٩.
(٢). ذكر المؤلف هذا الحديث مختصرا، في شرح القسطلاني، كتاب اليبوع ج ٤ ص ١٢٢ طبعه بولاق. الغط هنا هو العصر الشديد والكبس، والركض الضرب بالرجل.