للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ) لَمَّا ابْتُلِيَتْ قُرَيْشٌ بِالْقَحْطِ وَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، أَيِ ادْعُوا الَّذِينَ تَعْبُدُونَ من دونه وَزَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ آلِهَةً. وَقَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ وَعِيسَى وَعُزَيْرًا. ابْنُ مَسْعُودٍ: يَعْنِي الْجِنَّ (فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ) أَيِ الْقَحْطِ سَبْعَ سِنِينَ، عَلَى قَوْلِ مُقَاتِلٍ. (وَلا تَحْوِيلًا) مِنَ الْفَقْرِ إِلَى الْغِنَى وَمِنَ السَّقَمِ إِلَى الصِّحَّةِ.

[[سورة الإسراء (١٧): آية ٥٧]]

أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (٥٧)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ) " أُولئِكَ" مُبْتَدَأٌ" الَّذِينَ" صِفَةُ" أُولئِكَ" وَضَمِيرُ الصِّلَةِ مَحْذُوفٌ، أَيْ يَدْعُونَهُمْ. يَعْنِي أُولَئِكَ المدعوون. و" يَبْتَغُونَ" خَبَرٌ، أَوْ يَكُونُ حَالًا، وَ" الَّذِينَ يَدْعُونَ" خبر، أي يدعون إليه عبادا [أو عباده «١»] إِلَى عِبَادَتِهِ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ" تَدْعُونَ" بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ. الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ. وَلَا خِلَافَ فِي" يَبْتَغُونَ" أَنَّهُ بِالْيَاءِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ كِتَابِ التَّفْسِيرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:" أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ" قَالَ: نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ أَسْلَمُوا وَكَانُوا يَعْبُدُونَ، فَبَقِيَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ عَلَى عِبَادَتِهِمْ وَقَدْ أَسْلَمَ النَّفَرُ مِنَ الْجِنِّ. فِي رِوَايَةٍ قَالَ: نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَعْبُدُونَ نَفَرًا من الجن فأسلم الجنيون و (الانس «٢» الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، فَنَزَلَتْ" أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ". وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُمُ الْمَلَائِكَةُ كَانَتْ تَعْبُدُهُمْ قَبَائِلُ مِنَ الْعَرَبِ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: عزير وعيسى. و" يَبْتَغُونَ" يَطْلُبُونَ مِنَ اللَّهِ الزُّلْفَةَ وَالْقُرْبَةَ، وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي طَلَبِ الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْوَسِيلَةُ. أَعْلَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمَعْبُودِينَ يَبْتَغُونَ الْقُرْبَةَ إِلَى رَبِّهِمْ. وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ فِي" رَبِّهِمُ" تَعُودُ عَلَى الْعَابِدِينَ أَوْ عَلَى الْمَعْبُودِينَ أَوْ عَلَيْهِمْ جميعا. وأما" يَدْعُونَ" فعلى العابدين. و" يَبْتَغُونَ" عَلَى الْمَعْبُودِينَ. (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ. وَيَجُوزُ أن يكون" أَيُّهُمْ أَقْرَبُ"


(١). من ج وو.
(٢). زيادة عن صحيح مسلم.