للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحُدِّثْتُ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" لَمَّا دَنَوْتُ مِنْهُ لِأَرْكَبَهُ شَمَسَ «١» فَوَضَعَ جِبْرِيلُ يَدَهُ عَلَى مَعْرَفَتِهِ ثُمَّ قَالَ أَلَا تَسْتَحِي يَا بُرَاقُ مِمَّا تَصْنَعُ فَوَاللَّهِ مَا رَكِبَكَ عَبْدٌ لِلَّهِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ قَالَ فَاسْتَحْيَا حَتَّى ارْفَضَّ عَرَقًا ثُمَّ قَرَّ حَتَّى رَكِبْتُهُ". قَالَ الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ: فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَضَى مَعَهُ (جِبْرِيلُ) حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَوَجَدَ فِيهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى فِي نَفَرٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَأَمَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهِمْ ثُمَّ أُتِيَ بِإِنَاءَيْنِ: فِي أَحَدِهِمَا خَمْرٌ وَفِي الْآخَرِ لَبَنٌ، قَالَ: فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَاءَ اللَّبَنِ فَشَرِبَ مِنْهُ وَتَرَكَ إِنَاءَ الْخَمْرِ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: هُدِيتَ الْفِطْرَةَ وَهُدِيَتْ أُمَّتُكَ وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْخَمْرُ. ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى قُرَيْشٍ فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، فَقَالَ أَكْثَرُ النَّاسِ: هَذَا وَاللَّهِ الْأَمْرُ الْبَيِّنُ وَاللَّهِ إِنَّ الْعِيرَ لَتُطْرَدُ شَهْرًا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الشَّامِ، مُدْبِرَةً شَهْرًا وَمُقْبِلَةً شَهْرًا، فَيَذْهَبُ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَرْجِعُ إِلَى مَكَّةَ قَالَ: فَارْتَدَّ كَثِيرٌ مِمَّنْ كَانَ أَسْلَمَ، وَذَهَبَ النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالُوا: هَلْ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ فِي صَاحِبِكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَصَلَّى فِيهِ وَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ. قَالَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّكُمْ تَكْذِبُونَ عَلَيْهِ. فَقَالُوا: بَلَى، هَا هُوَ ذَا فِي الْمَسْجِدِ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ قَالَهُ لَقَدْ صَدَقَ فَمَا يُعْجِبُكُمْ مِنْ ذَلِكَ فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَيُخْبِرُنِي أَنَّ الْخَبَرَ لَيَأْتِيِهِ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَأُصَدِّقُهُ، فَهَذَا أَبْعَدُ مِمَّا تَعْجَبُونَ مِنْهُ. ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَحَدَّثْتَ هَؤُلَاءِ أَنَّكَ جِئْتَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ هَذِهِ اللَّيْلَةَ؟ قَالَ" نَعَمْ" قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَصِفْهُ لِي فَإِنِّي قَدْ جِئْتُهُ؟ فَقَالَ الْحَسَنُ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" رُفِعَ لِي حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ" فَجَعَلَ

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصِفُهُ لِأَبِي بَكْرٍ وَيَقُولُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: صَدَقْتَ، أَشْهَدُ إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. كلما


(١). شمست الدابة والقرس تشمس: شردت وجمحت ومنعت ظهرها.