للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلٌ سَابِعٌ: إِنَّ مَعْنَى" طه" طَإِ الْأَرْضَ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَحَمَّلُ مَشَقَّةَ الصَّلَاةِ حَتَّى كَادَتْ قَدَمَاهُ تَتَوَرَّمُ وَيَحْتَاجُ إِلَى التَّرْوِيحِ بَيْنَ قَدَمَيْهِ فَقِيلَ لَهُ: طَإِ الْأَرْضَ أَيْ لَا تَتْعَبْ حَتَّى تحتاج إلى الترويح حكاه ابن الأنباري. وقد ذكر الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي" الشِّفَاءِ" أَنَّ الرَّبِيعَ بْنَ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى قَامَ عَلَى رِجْلٍ وَرَفَعَ الْأُخْرَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:" طه" يَعْنِي طَإِ الْأَرْضَ يَا مُحَمَّدُ. (مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) ٢٠: ٢. الزَّمَخْشَرِيُّ: وَعَنِ الْحَسَنِ" طه" وَفُسِّرَ بِأَنَّهُ أمر بالوطي وَأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَقُومُ فِي تَهَجُّدِهِ عَلَى إِحْدَى رِجْلَيْهِ فَأُمِرَ أَنْ يَطَأَ الْأَرْضَ بِقَدَمَيْهِ مَعًا وَأَنَّ الْأَصْلَ طَأْ فقلبت همزته هاء كما قلبت [ألفا «١»] فِي (يَطَا) فِيمَنْ قَالَ:

...... لَا هَنَاكِ الْمَرْتَعُ «٢»

ثُمَّ بَنَى عَلَيْهِ هَذَا الْأَمْرَ وَالْهَاءُ لِلسَّكْتِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَرْبِطُونَ الْحِبَالَ فِي صُدُورِهِمْ فِي الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْفَرْضِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمَّا نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيُ بِمَكَّةَ اجْتَهَدَ فِي الْعِبَادَةِ وَاشْتَدَّتْ عِبَادَتُهُ، فَجَعَلَ يُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ زَمَانًا حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُخَفِّفَ عَنْ نَفْسِهِ فَيُصَلِّيَ وَيَنَامَ، فَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قِيَامَ اللَّيْلِ فَكَانَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ يُصَلِّي وَيَنَامُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالضَّحَّاكُ: فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَصَلُّوا فَقَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى مُحَمَّدٍ إلا ليشقى فأنزل الله تعالى" طه" فيقول: يَا رَجُلُ" مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى ٢٠: ٢" أَيْ لِتَتْعَبَ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: إِنَّ" طه" [طَاهَا أَيْ «٣»] طَإِ الْأَرْضَ فَتَكُونُ الْهَاءُ وَالْأَلِفُ ضَمِيرَ الْأَرْضِ أَيْ طَإِ الْأَرْضَ بِرِجْلَيْكَ فِي صَلَوَاتِكَ وَخُفِّفَتِ الْهَمْزَةُ فَصَارَتْ أَلِفًا سَاكِنَةً. وَقَرَأَتْ طَائِفَةٌ:" طه" وَأَصْلُهُ طَأْ بمعنى


(١). الزيادة من تفسير الزمخشري.
(٢). الشعر للفرزدق وتمام البيت:
راحت بمسلمة البغال عشية ... فارعي فزارة لا هناك المرتع
قال هذا حين عزل مسلمة بن عبد الملك عن العراق ووليها عمر بن هبيرة الفزاري فهجاهم الفرزدق ودعا لقومه ألا يهنئوا النعمة بولايته. وأراد بغال البريد التي قدمت بمسلمة عند عزله. (شواهد سيبويه).
(٣). الزيادة من كتب التفسير.