للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النَّحَّاسُ: وَكَذَلِكَ هُوَ فِي اللُّغَةِ، يُقَالُ: لِفُلَانٍ عَزْمٌ أَيْ صَبْرٌ وَثَبَاتٌ عَلَى التَّحَفُّظِ مِنَ الْمَعَاصِي حَتَّى يَسْلَمَ مِنْهَا، وَمِنْهُ." فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ" «١» [الأحقاف: ٣٥]. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا وَعَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ: حِفْظًا لِمَا أُمِرَ بِهِ، أَيْ لَمْ يَتَحَفَّظْ مِمَّا نَهَيْتُهُ حَتَّى نَسِيَ وَذَهَبَ عَنْ عِلْمِ ذَلِكَ بِتَرْكِ الِاسْتِدْلَالِ، وَذَلِكَ أَنَّ إِبْلِيسَ قَالَ لَهُ: إِنْ أَكَلْتَهَا خُلِّدْتَ فِي الْجَنَّةِ يَعْنِي عَيْنَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ، فَلَمْ يُطِعْهُ فَدَعَاهُ إِلَى نَظِيرِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ مِمَّا دَخَلَ فِي عُمُومِ النَّهْيِ وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْ، وَظَنَّ أَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي النَّهْيِ فَأَكَلَهَا تَأْوِيلًا، وَلَا يَكُونُ نَاسِيًا لِلشَّيْءِ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ:" عَزْماً ٢٠: ١١٥" مُحَافَظَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: عَزِيمَةُ أَمْرٍ. ابْنُ كَيْسَانَ: إِصْرَارًا وَلَا إِضْمَارًا لِلْعَوْدِ إِلَى الذَّنْبِ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إِلَى تَأْوِيلِ الْكَلَامِ، وَلِهَذَا قَالَ قَوْمٌ: آدَمُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:" وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ٢٠: ١١٥". وَقَالَ المعظم: كان الرُّسُلِ أُولُو الْعَزْمِ، وَفِي الْخَبَرِ:" مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَخْطَأَ أَوْ هَمَّ بِخَطِيئَةٍ مَا خَلَا يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا" فَلَوْ خَرَجَ آدَمُ بِسَبَبِ خَطِيئَتِهِ مِنْ جُمْلَةِ أُولِي الْعَزْمِ لَخَرَجَ جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ سِوَى يَحْيَى. وَقَدْ قَالَ أبو أمامة: أَنَّ أَحْلَامَ بَنِي آدَمَ جُمِعَتْ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَوُضِعَتْ فِي كِفَّةِ مِيزَانٍ، وَوُضِعَ حِلْمُ آدَمَ فِي كِفَّةٍ أُخْرَى لَرَجَحَهُمْ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:" وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ٢٠: ١١٥"

[سورة طه (٢٠): الآيات ١١٦ الى ١١٩]

وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى (١١٦) فَقُلْنا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (١١٩)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) تَقَدَّمَ فِي (الْبَقَرَةِ) «٢» مُسْتَوْفًى. (فَقُلْنا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما) ٢٠: ١١٧ نهي، ومجازه


(١). راجع ج ١٦ ص ٢٢٠. [ ..... ]
(٢). راجع ج ١ ص ٢٩١ فما بعد.