للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ صَارَ الظِّلُّ مَقْبُوضًا، وَخَلَّفَهُ فِي هَذَا الْجَوِّ شُعَاعُ الشَّمْسِ فَأَشْرَقَ عَلَى الْأَرْضِ وَعَلَى الْأَشْيَاءِ إِلَى وَقْتِ غُرُوبِهَا، فَإِذَا غَرَبَتْ فَلَيْسَ هُنَاكَ ظِلٌّ، إِنَّمَا ذَلِكَ بَقِيَّةُ نُورِ النَّهَارِ. وَقَالَ قَوْمٌ: قَبْضُهُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ، لِأَنَّهَا مَا لَمْ تَغْرُبْ فَالظِّلُّ فِيهِ بَقِيَّةٌ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ زَوَالُهُ بِمَجِيءِ اللَّيْلِ وَدُخُولِ الظُّلْمَةِ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا الْقَبْضَ وَقَعَ بِالشَّمْسِ، لِأَنَّهَا إِذَا طَلَعَتْ أَخَذَ الظِّلُّ فِي الذَّهَابِ شَيْئًا فَشَيْئًا، قَالَهُ أَبُو مَالِكٍ وَإِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ. وَقِيلَ:" ثُمَّ قَبَضْناهُ" أي قبضنا ضياء الشمس بألفي" قَبْضاً يَسِيراً". وَقِيلَ:" يَسِيراً" أَيْ سَرِيعًا، قَالَهُ الضَّحَّاكُ. قَتَادَةُ: خَفِيًّا، أَيْ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ قُبِضَ الظِّلُّ قَبْضًا خَفِيًّا، كُلَّمَا قُبِضَ جُزْءٌ مِنْهُ جُعِلَ مَكَانَهُ جُزْءٌ مِنَ الظُّلْمَةِ، وَلَيْسَ يَزُولُ دَفْعَةً وَاحِدَةً. فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ قَتَادَةَ، وهو قول مجاهد.

[[سورة الفرقان (٢٥): آية ٤٧]]

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً (٤٧)

وفيه أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً) يَعْنِي سِتْرًا لِلْخَلْقِ يَقُومُ مَقَامَ اللِّبَاسِ فِي سَتْرِ الْبَدَنِ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: وُصِفَ اللَّيْلُ بِاللِّبَاسِ تَشْبِيهًا مِنْ حَيْثُ يَسْتُرُ الْأَشْيَاءَ وَيَغْشَاهَا. الثَّانِيَةُ- قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: ظَنَّ بَعْضُ الْغَفَلَةِ أَنَّ مَنْ صَلَّى عُرْيَانًا فِي الظَّلَامِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، لِأَنَّ اللَّيْلَ لِبَاسٌ. وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ عُرْيَانًا إِذَا أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ. وَالسَّتْرُ فِي [الصَّلَاةِ «١»] عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ بِهَا لَيْسَتْ لِأَجْلِ نَظَرِ النَّاسِ. وَلَا حَاجَةَ إِلَى الْإِطْنَابِ فِي هَذَا. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالنَّوْمَ سُباتاً) أَيْ رَاحَةً لِأَبْدَانِكُمْ بِانْقِطَاعِكُمْ عَنِ الْأَشْغَالِ. وَأَصْلُ السُّبَاتِ مِنَ التَّمَدُّدِ. يُقَالُ: سَبَتَتِ الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا أَيْ نَقَضَتْهُ وَأَرْسَلَتْهُ. وَرَجُلٌ مَسْبُوتٌ أَيْ مَمْدُودُ الْخِلْقَةِ. وَقِيلَ: لِلنَّوْمِ سُبَاتٌ لِأَنَّهُ بِالتَّمَدُّدِ يَكُونُ، وَفِي التَّمَدُّدِ مَعْنَى الراحة. وقيل:


(١). في الأصول:" في الظلام". والتصويب من" أحكام القرآن لابن العربي".