للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَكَالْقَائِمِ لَا «١» يَفْتُرُ وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ (. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَكَانَ طَاوُسٌ يَرَى السَّعْيَ عَلَى الْأَخَوَاتِ أَفْضَلَ مِنَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. الثامنة- قوله تعالى:" وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً"" حُسْناً" نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَعْنَى، لِأَنَّ الْمَعْنَى لِيَحْسُنْ قَوْلُكُمْ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ وَقُولُوا لِلنَّاسِ قَوْلًا ذَا حُسْنٍ، فَهُوَ مَصْدَرٌ لَا عَلَى الْمَعْنَى. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ" حَسَنًا" بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالسِّينِ. قَالَ الْأَخْفَشُ: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، مِثْلُ الْبُخْلِ وَالْبَخَلِ، وَالرُّشْدِ وَالرَّشَدِ. وَحَكَى الْأَخْفَشُ:" حُسْنَى" بِغَيْرِ تَنْوِينٍ عَلَى فُعْلَى. قَالَ النَّحَّاسُ:" وَهَذَا لَا يَجُوزُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، لَا يُقَالُ مِنْ هذا شي إِلَّا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، نَحْوُ الْفُضْلَى وَالْكُبْرَى وَالْحُسْنَى، هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ" حُسُنًا" بِضَمَّتَيْنِ، مِثْلَ" الْحُلُمِ". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمَعْنَى قُولُوا لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَمُرُوهُمْ بِهَا. ابْنُ جُرَيْجٍ: قُولُوا لِلنَّاسِ صِدْقًا فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتغيروا نَعْتَهُ. سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مُرُوهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ. أَبُو الْعَالِيَةِ: قُولُوا لَهُمُ الطَّيِّبَ مِنَ الْقَوْلِ، وَجَازُوهُمْ بِأَحْسَنِ مَا تُحِبُّونَ أَنْ تُجَازَوْا بِهِ. وَهَذَا كُلُّهُ حَضٌّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، فينبغي للإنسان أن يكون قول لِلنَّاسِ لَيِّنًا وَوَجْهُهُ مُنْبَسِطًا طَلْقًا مَعَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَالسُّنِّيِّ وَالْمُبْتَدِعِ، مِنْ غَيْرِ مُدَاهَنَةٍ، وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَهُ بِكَلَامٍ يَظُنُّ أَنَّهُ يُرْضِي مَذْهَبَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِمُوسَى وَهَارُونَ:" فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً «٢» ". فَالْقَائِلُ لَيْسَ بِأَفْضَلَ مِنْ مُوسَى وَهَارُونَ، وَالْفَاجِرُ لَيْسَ بِأَخْبَثَ مِنْ فِرْعَوْنَ، وَقَدْ أَمَرَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بِاللِّينِ مَعَهُ. وَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُمَرَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ إِنَّكَ رَجُلٌ يَجْتَمِعُ عِنْدَكَ نَاسٌ ذَوُو أَهْوَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَنَا رَجُلٌ فِيَّ حِدَّةٌ فَأَقُولُ لَهُمْ بَعْضَ الْقَوْلِ الْغَلِيظِ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ! يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى:" وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً". فَدَخَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَكَيْفَ بِالْحَنِيفِيِّ «٣». وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: (لَا تَكُونِي فَحَّاشَةً فَإِنَّ الْفُحْشَ لَوْ كَانَ رَجُلًا لَكَانَ رَجُلَ سُوءٍ). وَقِيلَ: أَرَادَ بِالنَّاسِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَقَوْلِهِ:" أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ «٤» " فَكَأَنَّهُ قَالَ: قُولُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسنا. وحكى


(١). كذا في صحيح مسلم. والذي في نسخ الأصل:" لا يفتر من صلاة ... إلخ". [ ..... ]
(٢). راجع ج ١١ ص ١٩٩.
(٣). في بعض نسخ الأصل:" فكيف في غيرهما".
(٤). راجع ج ٥ ص ٢٥١.