للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[سورة البقرة (٢): آية ٩٣]]

وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩٣)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا" تَقَدَّمَ «١» الْكَلَامُ فِي هَذَا وَمَعْنَى" اسْمَعُوا" أَطِيعُوا، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ بِإِدْرَاكِ الْقَوْلِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ اعْمَلُوا بِمَا سَمِعْتُمْ وَالْتَزِمُوهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، أَيْ قَبِلَ وَأَجَابَ. قَالَ:

دَعَوْتُ اللَّهَ حَتَّى خِفْتُ أَلَّا ... يَكُونَ اللَّهُ يَسْمَعُ مَا أَقُولُ

أَيْ يَقْبَلُ، وَقَالَ الرَّاجِزُ:

وَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ وَالتَّسْلِيمُ ... خَيْرٌ وَأَعْفَى لِبَنِي تَمِيمِ

" قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا" اخْتُلِفَ هَلْ صَدَرَ مِنْهُمْ هَذَا اللفظ حقيقة باللسان نطقا، أو يكونوا فَعَلُوا فِعْلًا قَامَ مَقَامَ الْقَوْلِ فَيَكُونُ مَجَازًا، كما قال: ز

امْتَلَأَ الْحَوْضُ وَقَالَ قَطْنِي ... مَهْلًا رُوَيْدًا قَدْ مَلَأْتَ بَطْنِي

وَهَذَا احْتِجَاجٌ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِمْ:" نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا". قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ" أَيْ حُبُّ الْعِجْلِ. وَالْمَعْنَى: جُعِلَتْ قُلُوبُهُمْ تَشْرَبُهُ، وَهَذَا تَشْبِيهٌ وَمَجَازٌ عِبَارَةٌ عَنْ تَمَكُّنِ أَمْرِ الْعِجْلِ فِي قُلُوبِهِمْ. وَفِي الْحَدِيثِ: (تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ) الْحَدِيثَ، خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ. يُقَالُ أُشْرِبَ قَلْبُهُ حُبَّ كَذَا، قَالَ زُهَيْرٌ:

فَصَحَوْتُ عَنْهَا بَعْدَ حب داخل ... والحب تشربه فؤادك داء


(١). راجع ج ١ ص ٤٣٦ وما بعدها، طبعه ثانية.