للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ أَنَّ إِبْلِيسَ مُشْتَقٌّ مِنْ هَذَا، وَأَنَّهُ أَبْلَسَ لِأَنَّهُ انْقَطَعَتْ حُجَّتُهُ. النَّحَّاسُ: وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَوَجَبَ أَنْ يَنْصَرِفَ، وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ. الزَّجَّاجُ: الْمُبْلِسُ السَّاكِتُ الْمُنْقَطِعُ فِي حُجَّتِهِ، الْيَائِسُ مِنْ أَنْ يَهْتَدِيَ إِلَيْهَا. (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ) أي ما عبدوه مِنْ دُونِ اللَّهِ (شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ) قَالُوا لَيْسُوا بِآلِهَةٍ فَتَبَرَّءُوا مِنْهَا وَتَبَرَّأَتْ مِنْهُمْ، حسبما تقدم في غير موضع.

[سورة الروم (٣٠): الآيات ١٤ الى ١٥]

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) يعني المؤمنين من الكافرين. ثم بين كيف تفريقهم فقال: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) قَالَ النَّحَّاسُ: سَمِعْتُ الزَّجَّاجَ يقول: معنى" فَأَمَّا" دَعْ مَا كُنَّا فِيهِ وَخُذْ فِي غَيْرِهِ. وَكَذَا قَالَ سِيبَوَيْهِ: إِنَّ مَعْنَاهَا مَهْمَا كُنَّا «١» في شي فَخُذْ فِي غَيْرِ مَا كُنَّا فِيهِ. (فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) قَالَ الضَّحَّاكُ: الرَّوْضَةُ الْجَنَّةُ، وَالرِّيَاضُ الْجِنَانُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الرَّوْضَةُ مَا كَانَ فِي تَسَفُّلٍ، فَإِذَا كَانَتْ مُرْتَفِعَةً فَهِيَ تُرْعَةٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَحْسَنُ مَا تَكُونُ الرَّوْضَةُ إِذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ غَلِيظٍ، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى:

مَا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْحَزْنِ مُعْشِبَةٌ ... خَضْرَاءُ جَادَ عَلَيْهَا مُسْبِلٌ هَطِلُ «٢»

يُضَاحِكُ الشَّمْسَ مِنْهَا كَوْكَبٌ شَرْقٌ ... مُؤَزَّرٌ بِعَمِيمِ النَّبْتِ مُكْتَهِلُ «٣»

يَوْمًا بِأَطْيَبَ مِنْهَا نَشْرَ رَائِحَةٍ ... وَلَا بِأَحْسَنَ مِنْهَا إِذْ دَنَا الْأَصْلُ «٤»

إِلَّا أَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهَا رَوْضَةٌ إِلَّا إِذَا كَانَ فِيهَا نَبْتٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَبْتٌ وَكَانَتْ مُرْتَفِعَةً فَهِيَ تُرْعَةٌ. وَقَدْ قِيلَ فِي التُّرْعَةِ غَيْرُ هَذَا. وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَالرَّوْضَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ مَا يَنْبُتُ حول


(١). في ش وج (مهما يكن).
(٢). رياض الحزن أحسن من رياض الخفوض لارتفاعها.
(٣). قوله: (يضاحك الشمس) أي يدور معها حيثما دارت. وكوكب كل شي معظمه، والمراد هنا الزهر. ومؤزر: مفعل من الإزار. والشرق: الريان الممتلئ ماء. والعميم: التام السن. والمكتهل: الذي قد بلغ وتم.
(٤). النشر: الرائحة الطيبة. والأصل: جمع أصيل وخص هنا الوقت لان المنبت يكون فيه أحسن ما يكون لتباعد الشمس والفيء عنه.