للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيْ كَمَا صُرِفُوا عَنِ الْحَقِّ فِي قَسَمِهِمْ أَنَّهُمْ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يصرفون عن الحق في الدنيا، وقال عز وجل:" يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ" «١» [المجادلة: ١٨] وَقَالَ:" ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ. انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا" «٢» [الانعام: ٢٤ - ٢٣].

[[سورة الروم (٣٠): آية ٥٦]]

وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٥٦)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ) اخْتُلِفَ فِي الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ، فَقِيلَ الْمَلَائِكَةُ. وَقِيلَ الْأَنْبِيَاءُ. وَقِيلَ عُلَمَاءُ الْأُمَمِ. وَقِيلَ مُؤْمِنُو هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَقِيلَ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ، أَيْ يَقُولُ الْمُؤْمِنُونَ لِلْكُفَّارِ رَدًّا عَلَيْهِمْ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي قُبُورِكُمْ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ. وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: (فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ) جَوَابٌ لِشَرْطٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، مَجَازُهُ: إِنْ كُنْتُمْ مُنْكِرِينَ الْبَعْثَ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ. وَحَكَى يَعْقُوبُ عَنْ بَعْضِ الْقُرَّاءِ وَهِيَ قِرَاءَةُ الْحَسَنِ:" إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ" بِالتَّحْرِيكِ، وَهَذَا مِمَّا فِيهِ حَرْفٌ مِنْ حُرُوفِ الْحَلْقِ. وَقِيلَ: مَعْنَى" فِي كِتابِ اللَّهِ" فِي حُكْمِ اللَّهِ. وَقِيلَ: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ. الْقُشَيْرِيُّ: وَعَلَى هَذَا" أُوتُوا الْعِلْمَ" بِمَعْنَى كِتَابِ اللَّهِ. وَقِيلَ: الَّذِينَ حُكِمَ لَهُمْ فِي الْكِتَابِ بِالْعِلْمِ" فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ" أي اليوم الذي كنتم تنكرونه.

[[سورة الروم (٣٠): آية ٥٧]]

فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٥٧)


(١). راجع ج ١٧ ص ٣٠٥ فما بعد.
(٢). راجع ج ٦ ص ٤٠٢.