للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) أَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: مَعْنَاهُ بِالتَّصْوِيرِ وَالتَّعَرُّضِ لِفِعْلٍ مَا لَا يَفْعَلُهُ إِلَّا اللَّهُ بِنَحْتِ الصُّوَرِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْمُصَوِّرِينَ). قُلْت: وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي قَوْلَ مُجَاهِدٍ فِي الْمَنْعِ مِنْ تَصْوِيرِ الشَّجَرِ وَغَيْرِهَا، إِذْ كُلُّ ذَلِكَ صِفَةُ اخْتِرَاعٍ وَتَشَبُّهٍ بِفِعْلِ اللَّهِ الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي سُورَةِ" النَّمْلِ" «١» وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: ذَلِكَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، تَقْدِيرُهُ: يُؤْذُونَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ. وَأَمَّا أَذِيَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ كُلُّ مَا يُؤْذِيهِ مِنَ الْأَقْوَالِ فِي غَيْرِ مَعْنًى وَاحِدٍ، وَمِنَ الْأَفْعَالِ أَيْضًا. أَمَّا قَوْلُهُمْ:" فَسَاحِرٌ. شَاعِرٌ. كَاهِنٌ مَجْنُونٌ. وَأَمَّا فِعْلُهُمْ: فَكَسْرُ رَبَاعِيَتِهِ وَشَجُّ وَجْهِهِ يَوْمَ أُحُدٍ، وَبِمَكَّةَ إِلْقَاءُ السَّلَى عَلَى ظَهْرِهِ وَهُوَ سَاجِدٌ" إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ طَعَنُوا عَلَيْهِ حِينَ اتَّخَذَ صَفِيَّةَ بنت حُيَيٍّ. وَأُطْلِقَ إِيذَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَقُيِّدَ إِيذَاءُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، لِأَنَّ إِيذَاءَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِغَيْرِ حَقٍّ أَبَدًا. وَأَمَّا إِيذَاءُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْهُ .. وَمِنْهُ .. الثَّانِيَةُ- قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَالطَّعْنُ فِي تَأْمِيرِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَذِيَّةٌ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. رَوَى الصَّحِيحُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا وأمر عليهم أسامة ابن زَيْدٍ فَطَعَنَ النَّاسُ فِي إِمْرَتِهِ، فَقَامَ رَسُولُ الله صلى فَقَالَ: (إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمْرَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمْرَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ وَايْمِ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ (. وَهَذَا الْبَعْثُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- هُوَ الَّذِي جَهَّزَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أُسَامَةَ وَأَمَّرَهُ عَلَيْهِمْ وأمره أن يغزوا" أبنى" وهي القرية التي عند م مُؤْتَةَ، الْمَوْضِعُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ زَيْدٌ أَبُوهُ مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ ابن رَوَاحَةَ. فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِثَأْرِ أَبِيهِ فَطَعَنَ مَنْ فِي قَلْبِهِ رَيْبٌ فِي إِمْرَتِهِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمَوَالِي، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ كَانَ صَغِيرَ السِّنِّ، لِأَنَّهُ كَانَ إِذْ ذاك ابن ثمان عَشْرَةَ سَنَةً، فَمَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ بَرَزَ هَذَا الْبَعْثُ عَنِ الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَنْفَصِلْ بَعْدُ عَنْهَا، فَنَفَذَهُ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الله عليه وسلم.


(١). راجع ج ١٣ ص ٢٢١.