للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَمَنْ أَطَاعَكَ فَانْفَعْهُ بِطَاعَتِهِ ... كَمَا أَطَاعَكَ وَادْلُلْهُ عَلَى الرَّشَدِ

وَمَنْ عَصَاكَ فَعَاقِبْهُ مُعَاقَبَةً ... تَنْهَى الظَّلُومَ وَلَا تَقْعُدْ عَلَى ضَمَدِ «١»

وَوُجِدَتْ هَذِهِ الْأَبْيَاتُ مَنْقُورَةً فِي صَخْرَةٍ بِأَرْضِ يَشْكُرَ، أَنْشَأَهُنَّ بَعْضُ أَصْحَابِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:

وَنَحْنُ وَلَا حَوْلٌ سِوَى حَوْلِ رَبِّنَا ... نَرُوحُ إِلَى الْأَوْطَانِ مِنْ أَرْضِ تَدْمُرَ

إِذَا نَحْنُ رُحْنَا كَانَ رَيْثُ رَوَاحِنَا ... مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَالْغُدُوُّ لِآخَرِ

أُنَاسٌ شَرَوْا لِلَّهِ طَوْعًا نُفُوسَهُمْ ... بِنَصْرِ ابْنِ دَاوُدَ النَّبِيِّ الْمُطَهَّرِ

لَهُمْ فِي مَعَالِي الدِّينِ فَضْلٌ وَرِفْعَةٌ «٢» ... وَإِنْ نُسِبُوا يَوْمًا فَمِنْ خَيْرِ مَعْشَرِ

مَتَى يَرْكَبُوا الرِّيحَ الْمُطِيعَةَ أَسْرَعَتْ ... مُبَادِرَةً عَنْ شَهْرِهَا لَمْ تُقَصِّرِ

تُظِلُّهُمُ طَيْرٌ صُفُوفٌ عَلَيْهِمُ ... مَتَى رَفْرَفَتْ مِنْ فَوْقِهِمْ لَمْ تُنَفَّرِ

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) الْقِطْرُ: النُّحَاسُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. أُسِيلَتْ لَهُ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَمَا يَسِيلُ الْمَاءُ، وَكَانَتْ بِأَرْضِ الْيَمَنِ، وَلَمْ يَذُبِ النُّحَاسُ فِيمَا رُوِيَ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ، وَكَانَ لَا يَذُوبُ، وَمِنْ وَقْتِهِ ذَابَ، وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُ النَّاسُ الْيَوْمَ بِمَا أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى لِسُلَيْمَانَ. قَالَ قَتَادَةُ: أَسَالَ اللَّهُ عَيْنًا يَسْتَعْمِلُهَا فِيمَا يُرِيدُ. وَقِيلَ لِعِكْرِمَةَ: إِلَى أَيْنَ سَالَتْ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي! وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ: أُجْرِيَتْ لَهُ عَيْنُ الصُّفْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهِنَّ. قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَتَخْصِيصُ الْإِسَالَةِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يُدْرَى مَا حَدُّهُ، وَلَعَلَّهُ وَهْمٌ مِنَ النَّاقِلِ، إِذْ فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّهَا سَالَتْ مِنْ صَنْعَاءَ ثَلَاثَ لَيَالٍ مِمَّا يَلِيهَا، وَهَذَا يُشِيرُ إِلَى بَيَانِ الْمَوْضِعِ لَا إِلَى بَيَانِ الْمُدَّةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جُعِلَ النُّحَاسُ لِسُلَيْمَانَ فِي مَعْدِنِهِ عَيْنًا تَسِيلُ كَعُيُونِ الْمِيَاهِ، دَلَالَةً عَلَى نُبُوَّتِهِ. وَقَالَ الْخَلِيلُ: الْقِطْرُ: النُّحَاسُ الْمُذَابُ. قُلْتُ: دَلِيلُهُ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ:" من قطران". (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ) أَيْ بِأَمْرِهِ (وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا) الَّذِي أَمَرْنَاهُ بِهِ مِنْ طَاعَةِ سُلَيْمَانَ.


(١). الضمد: الحقد.
(٢). في الأصول:) رأفة) والتصويب عن البحر وروح المعاني.