للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[سورة فاطر (٣٥): آية ١٠]]

مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (١٠)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) التَّقْدِيرُ عِنْدَ الْفَرَّاءِ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ عِلْمَ الْعِزَّةِ. وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. أَيْ مَنْ كَانَ يُرِيدُ عِلْمَ الْعِزَّةِ الَّتِي لَا ذِلَّةَ مَعَهَا، لِأَنَّ الْعِزَّةَ إِذَا كَانَتْ تُؤَدِّي إِلَى ذِلَّةٍ فَإِنَّمَا هِيَ تَعَرُضٌ لِلذِّلَّةِ، وَالْعِزَّةُ الَّتِي لَا ذُلَّ مَعَهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ." جَمِيعاً" مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ. وَقَدَّرَ الزَّجَّاجُ مَعْنَاهُ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ بِعِبَادَتِهِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ الْعِزَّةَ وَالْعِزَّةُ لَهُ سُبْحَانَهُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعِزُّهُ فِي الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا. قُلْتُ وَهَذَا أَحْسَنُ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا عَلَى مَا يَأْتِي" فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً" ظَاهِرُ هَذَا إِيئَاسُ السَّامِعِينَ مِنْ عِزَّتِهِ، وَتَعْرِيفِهِمْ أَنَّ مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ لَا مَطْمَعَ فِيهِ لِغَيْرِهِ، فَتَكُونُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ عِنْدَ الْعَالِمِينَ بِهِ سُبْحَانَهُ وَبِمَا وَجَبَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ الْحَقِّ فِي سُورَةِ يُونُسَ:" وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ" [يونس: ٦٥]. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ سُبْحَانَهُ أَنْ يُنَبِّهَ ذَوِي الْأَقْدَارِ وَالْهِمَمِ مِنْ أَيْنَ تُنَالُ الْعِزَّةُ وَمِنْ أَيْنَ تُسْتَحَقُّ، فَتَكُونُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ آيَاتِ هَذِهِ السُّورَةِ. فَمَنْ طَلَبَ الْعِزَّةَ مِنَ اللَّهِ وَصَدَقَهُ فِي طَلَبِهَا بِافْتِقَارٍ وَذُلٍّ، وَسُكُونٍ وَخُضُوعٍ، وَجَدَهَا عِنْدَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غَيْرَ مَمْنُوعَةٍ وَلَا مَحْجُوبَةٍ عَنْهُ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ). وَمَنْ طَلَبَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَكَلَهُ إِلَى مَنْ طَلَبَهَا عِنْدَهُ. وَقَدْ ذَكَرَ قَوْمًا طَلَبُوا الْعِزَّةَ عِنْدَ مَنْ سِوَاهُ فَقَالَ:" الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً" [النساء: ١٣٩]. فَأَنْبَأَكَ صَرِيحًا لَا إِشْكَالَ فِيهِ أَنَّ الْعِزَّةَ لَهُ يُعِزُّ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفَسِّرًا لِقَوْلِهِ" مَنْ كانَ يُرِيدُ