للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ شَابٍّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ" وَكَذَلِكَ مَا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «١» عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ" عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلَاسِلِ" قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا وَرَدَ مِنْ أَمْثَالِهِ أَنَّهُ يَعْجَبُ مَلَائِكَتُهُ مِنْ كَرَمِهِ وَرَأْفَتِهِ بِعِبَادِهِ، حِينَ حَمَلَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ بِهِ بِالْقِتَالِ وَالْأَسْرِ فِي السَّلَاسِلِ، حَتَّى إِذَا آمَنُوا أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ. وَقِيلَ: مَعْنَى" بَلْ عَجِبْتَ" بَلْ أَنْكَرْتُ. حَكَاهُ النَّقَّاشُ. وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: التَّعَجُّبُ مِنَ اللَّهِ إِنْكَارُ الشَّيْءِ وَتَعْظِيمُهُ، وَهُوَ لُغَةُ الْعَرَبِ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ" عَجِبَ رَبُّكُمْ مِنْ إِلِّكُمْ وَقُنُوطِكُمْ"." وَيَسْخَرُونَ" قِيلَ: الْوَاوُ وَاوُ الْحَالِ، أَيْ عَجِبْتُ مِنْهُمْ فِي حَالِ سُخْرِيَتِهِمْ. وَقِيلَ: تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ:" بَلْ عَجِبْتَ" ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ:" وَيَسْخَرُونَ" أَيْ مِمَّا جِئْتَ بِهِ إِذَا تَلَوْتَهُ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: يَسْخَرُونَ مِنْكَ إِذَا دَعَوْتَهُمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَإِذا ذُكِّرُوا" أَيْ وُعِظُوا بِالْقُرْآنِ فِي قَوْلِ قَتَادَةَ:" لَا يَذْكُرُونَ" لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَيْ إِذَا ذُكِرَ لَهُمْ مَا حَلَّ بِالْمُكَذِّبِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَلَمْ يَتَدَبَّرُوا." وَإِذا رَأَوْا آيَةً" أَيْ مُعْجِزَةً" يَسْتَسْخِرُونَ" أَيْ يَسْخَرُونَ فِي قَوْلِ قَتَادَةَ. وَيَقُولُونَ إِنَّهَا سِحْرٌ. وَاسْتَسْخَرَ وَسَخِرَ بِمَعْنًى مِثْلٌ اسْتَقَرَّ وَقَرَّ، وَاسْتَعْجَبَ، وَعَجِبَ. وَقِيلَ:" يَسْتَسْخِرُونَ" أَيْ يستدعون السخري مِنْ غَيْرِهِمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَسْتَهْزِئُونَ. وَقِيلَ: أَيْ يَظُنُّونَ أَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ سُخْرِيَةٌ." وَقالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ" أَيْ إِذَا عَجَزُوا عَنْ مُقَابَلَةِ الْمُعْجِزَاتِ بِشَيْءٍ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وتخييل وخداع." أَإِذا مِتْنا" أَيْ أَنُبْعَثُ إِذَا مِتْنَا؟. فَهُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ منهم وسخرية." أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ" أي أو تبعث آبَاؤُنَا. دَخَلَتْ أَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى حَرْفِ الْعَطْفِ. قرأ نَافِعٌ:" أَوْ آبَاؤُنَا" بِسُكُونِ الْوَاوِ. وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي سُورَةِ" الْأَعْرَافِ" «٢». فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى " [الأعراف: ٩٨].


(١). الزيادة من البخاري وفى الأصل بياض.
(٢). راجع ج ٧ ص ٢٥٣ طبعه أولى أو ثانيه.