للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُبْتَلِيًا مَعْلُومٌ، وَكَوْنُ الضَّمِيرِ الْمَفْعُولِ فِي الْعَرَبِيَّةِ مُتَّصِلًا بِالْفَاعِلِ مُوجِبَ تَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ، فَإِنَّمَا بُنِيَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الِاهْتِمَامِ، فَاعْلَمْهُ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ" إِبْراهِيمَ" بِالنَّصْبِ،" رَبُّهُ" بِالرَّفْعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى الْعَكْسِ، وَزَعَمَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَقْرَأَهُ كَذَلِكَ. وَالْمَعْنَى دَعَا إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ وَسَأَلَ، وَفِيهِ بُعْدٌ، لِأَجْلِ الْبَاءِ فِي قَوْلِهِ:" بِكَلِماتٍ". الثَّانِيَةُ- قوله تعالى:" بِكَلِماتٍ" الْكَلِمَاتُ جَمْعُ كَلِمَةٍ، وَيَرْجِعُ تَحْقِيقُهَا إِلَى كَلَامِ الْبَارِي تَعَالَى، لَكِنَّهُ عَبَّرَ عَنْهَا عَنِ الْوَظَائِفِ الَّتِي كُلِّفَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمَّا كَانَ تَكْلِيفُهَا بِالْكَلَامِ سُمِّيَتْ بِهِ، كَمَا سُمِّيَ عِيسَى كَلِمَةً، لِأَنَّهُ صَدَرَ عَنْ كَلِمَةٍ وَهِيَ" كُنْ". وَتَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِمُقَدِّمَتِهِ أَحَدُ قِسْمَيِ الْمَجَازِ، قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. الثَّالِثَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْكَلِمَاتِ عَلَى أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا- شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ ثَلَاثُونَ سَهْمًا، عَشَرَةٌ مِنْهَا فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ:" التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ «١» " إِلَى آخِرِهَا، وَعَشَرَةٌ فِي الْأَحْزَابِ:" إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ «٢» " إِلَى آخِرِهَا، وَعَشَرَةٌ فِي الْمُؤْمِنُونَ:" قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ «٣» " إِلَى قَوْلِهِ:" عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ" وَقَوْلُهُ فِي" سَأَلَ سائِلٌ «٤» ":" إِلَّا الْمُصَلِّينَ" إِلَى قَوْلِهِ:" وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَا ابْتَلَى اللَّهُ أَحَدًا بِهِنَّ فَقَامَ بِهَا كُلِّهَا إِلَّا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ابْتُلِيَ بِالْإِسْلَامِ فَأَتَمَّهُ فَكَتَبَ اللَّهُ لَهُ الْبَرَاءَةَ فَقَالَ:" وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى «٥» ". وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِذَبْحِ ابْنِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِأَدَاءِ الرِّسَالَةِ، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنِّي مُبْتَلِيكَ بِأَمْرٍ، قَالَ: تَجْعَلُنِي لِلنَّاسِ إِمَامًا؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِي؟ قَالَ: لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ، قَالَ: تَجْعَلُ الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ: وَأَمْنًا؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ: وَتُرِينَا مَنَاسِكنَا وَتَتُوبُ عَلَيْنَا؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ: وَتَرْزُقُ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ؟ قَالَ نَعَمْ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَتَمَّ. وَأَصَحُّ مِنْ هَذَا مَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ


(١). راجع ج ٨ ص ٢٦٩.
(٢). راجع ج ١٤ ص ١٨٥. [ ..... ]
(٣). راجع ج ١٢ ص ١٠٢.
(٤). راجع ج ١٨ ص ٢٩١.
(٥). راجع ج ١٧ ص ١١٣.