للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا مِنَ الشَّفَاعَةِ" وَلَا يَعْقِلُونَ" لِأَنَّهَا جَمَادَاتٌ. وَهَذَا اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ." قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً" نَصٌّ فِي أَنَّ الشَّفَاعَةَ لِلَّهِ وَحْدَهُ كَمَا قَالَ:" مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ" [البقرة: ٢٥٥] فَلَا شَافِعَ إِلَّا مِنْ شَفَاعَتِهِ" وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى " [الأنبياء: ٢٨]." جَمِيعاً" نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ. فَإِنْ قِيلَ:" جَمِيعًا" إِنَّمَا يَكُونُ لِلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا وَالشَّفَاعَةُ وَاحِدَةٌ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّفَاعَةَ مَصْدَرٌ وَالْمَصْدَرُ يُؤَدِّي عَنِ الِاثْنَيْنِ والجميع" لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ" نَصْبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ عِنْدَ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ، وَعَلَى الْحَالِ عِنْدَ يُونُسَ." اشْمَأَزَّتْ" قَالَ الْمُبَرِّدُ انْقَبَضَتْ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: نَفَرَتْ وَاسْتَكْبَرَتْ وَكَفَرَتْ وَتَعَصَّتْ. وَقَالَ الْمُؤَرِّجُ أَنْكَرَتْ. وَأَصْلُ الِاشْمِئْزَازِ النُّفُورُ وَالِازْوِرَارُ. قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:

إِذَا عَضَّ الثِّقَافُ بِهَا اشْمَأَزَّتْ ... وَوَلَّتْهُمْ عَشَوْزَنَةً زَبُونَا «١»

وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: اشْمَأَزَّ الرَّجُلُ ذُعِرَ مِنَ الْفَزَعِ وَهُوَ الْمَذْعُورُ. وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ" لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" نَفَرُوا وَكَفَرُوا." وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ" يَعْنِي الْأَوْثَانَ حِينَ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أَمْنِيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ سُورَةَ [النَّجْمِ] تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهُمْ تُرْتَجَى «٢». قَالَهُ جَمَاعَةُ الْمُفَسِّرِينَ." إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ" أَيْ يظهر في وجوههم البشر والسرور.

[سورة الزمر (٣٩): الآيات ٤٦ الى ٤٨]

قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي مَا كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٤٦) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (٤٧) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ مَا كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤٨)


(١). الثقاف ما تقوم به الرماح. وعشوزنة صلبة شديدة. والزبون الدفوع. والبيت في وصف قناة، وقبله:
فإن قناتنا يا عمرو أعيت ... - على الأعداء قبلك أن تلينا

(٢). راجع ما قيل في هذا الكلام من منافاته للعصمة وتأويلات في قوله تعالى في سورة الحج:" وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ" ج ١٢ ص ٧٩ وما بعدها